nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28975_28861يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها .
استئناف تشريع في أحكام النساء التي كان سياق السورة لبيانها وهي التي لم تزل آيها مبينة لأحكامها تأسيسا واستطرادا ، وبدءا وعودا ، وهذا حكم تابع لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من جعل زوج الميت موروثة عنه وافتتح بقوله : يا أيها الذين آمنوا . للتنويه بما خوطبوا به .
وخوطب الذين آمنوا ليعم الخطاب جميع الأمة ، فيأخذ كل منهم بحظه منه ، فمريد الاختصاص بامرأة الميت يعلم ما يختص به منه ، والوالي كذلك ، وولاة الأمور كذلك .
وصيغة ( لا يحل ) صيغة نهي صريح لأن الحل هو الإباحة في لسان العرب ولسان الشريعة ، فنفيه يرادف معنى التحريم .
والإرث حقيقته مصير الكسب إلى شخص عقب شخص آخر ، وأكثر ما يستعمل في مصير الأموال ، ويطلق الإرث مجازا على تمحض الملك لأحد بعد المشارك فيه ، أو في
[ ص: 283 ] حالة ادعاء المشارك فيه ، ومنه : يرث الأرض ومن عليها . وهو فعل متعد إلى واحد ، يتعدى إلى المتاع الموروث ، فتقول : ورثت مال فلان ، وقد يتعدى إلى ذات الشخص الموروث ، يقال : ورث فلان أباه ، قال تعالى : فهب لي من لدنك وليا يرثني . وهذا هو الغالب فيه إذا تعدى إلى ما ليس بمال .
وتعدية فعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19أن ترثوا ) إلى النساء من استعماله الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=30578بتنزيل النساء منزلة الأموال الموروثة ، لإفادة تبشيع الحالة التي كانوا عليها في الجاهلية . أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذا الآية . وعن
مجاهد ، والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري كان الابن الأكبر أحق بزوج أبيه إذا لم تكن أمه ، فإن لم يكن أبناء فولي الميت إذا سبق فألقى على امرأة الميت ثوبه فهو أحق بها ، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها . وكان من أشهر ما وقع من ذلك في الجاهلية أنه لما مات
أمية بن عبد شمس وترك امرأته ولها أولاد منه :
العيص ، وأبو العيص ، والعاص ، وأبو العاص ، وله أولاد من غيرها ، منهم
أبو عمرو بن أمية فخلف
أبو عمرو على امرأة أبيه ، فولدت له :
مسافرا ، وأبا معيط ، فكان
الأعياص أعماما
لمسافر وأبي معيط وإخوتهما من الأم .
وقد قيل : نزلت الآية لما توفي
أبو قيس بن الأسلت رام ابنه أن يتزوج امرأته
كبشة بنت معن الأنصارية ، فنزلت هذه الآية . قال
ابن عطية : وكانت هذه السيرة لازمة في
الأنصار ، وكانت في
قريش مباحة مع التراضي . وعلى هذا التفسير يكون قوله " كرها " حالا من ( النساء ) أي كارهات غير راضيات ، حتى يرضين بأن يكن أزواجا لمن يرضينه ، مع مراعاة شروط النكاح ، والخطاب على هذا الوجه لورثة الميت .
وقد تكرر هذا الإكراه بعوائدهم التي تمالأوا عليها ، بحيث لو رامت المرأة المحيد عنها ، لأصبحت سبة لها ، ولما وجدت من ينصرها ، وعلى هذا فالمراد بالنساء الأزواج ، أي أزواج الأموات .
ويجوز أن يكون فعل ( ترثوا ) مستعملا في حقيقته ومتعديا إلى الموروث فيفيد
[ ص: 284 ] النهي عن أحوال كانت في الجاهلية : منها أن الأولياء يعضلون النساء ذوات المال من التزوج خشية أنهن إذا تزوجن يلدن فيرثهن أزواجهن وأولادهن ولم يكن للولي العاصب شيء من أموالهن ، وهن يرغبن أن يتزوجن ، ومنها أن الأزواج كانوا يكرهون أزواجهم ويأبون أن يطلقوهن رغبة في أن يمتن عندهم فيرثوهن ، فذلك إكراه لهن على البقاء على حالة الكراهية ، إذ لا ترضى المرأة بذلك مختارة ، وعلى هذا فالنساء مراد به جمع امرأة ، وقرأ الجمهور : ( كرها ) بفتح الكاف وقرأه
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف بضم الكاف وهما لغتان .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28975_28861يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا .
اسْتِئْنَافُ تَشْرِيعٍ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ الَّتِي كَانَ سِيَاقُ السُّورَةِ لِبَيَانِهَا وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَزَلْ آيُهَا مُبَيِّنَةً لِأَحْكَامِهَا تَأْسِيسًا وَاسْتِطْرَادًا ، وَبَدْءًا وَعَوْدًا ، وَهَذَا حُكْمٌ تَابِعٌ لِإِبْطَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ جَعْلِ زَوْجِ الْمَيِّتِ مَوْرُوثَةً عَنْهُ وَافْتُتِحَ بُقُولِهِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا . لِلتَّنْوِيهِ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ .
وَخُوطِبَ الَّذِينَ آمَنُوا لِيَعُمَّ الْخِطَابُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ ، فَيَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَظِّهِ مِنْهُ ، فَمُرِيدُ الِاخْتِصَاصِ بِامْرَأَةِ الْمَيِّتِ يَعْلَمُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُ ، وَالْوَالِي كَذَلِكَ ، وَوُلَاةُ الْأُمُورِ كَذَلِكَ .
وَصِيغَةُ ( لَا يَحِلُّ ) صِيغَةُ نَهْيٍ صَرِيحٍ لِأَنَّ الْحِلَّ هُوَ الْإِبَاحَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَلِسَانِ الشَّرِيعَةِ ، فَنَفْيُهُ يُرَادِفُ مَعْنَى التَّحْرِيمِ .
وَالْإِرْثُ حَقِيقَتُهُ مَصِيرُ الْكَسْبِ إِلَى شَخْصٍ عَقِبَ شَخْصٍ آخَرَ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَصِيرِ الْأَمْوَالِ ، وَيُطْلَقُ الْإِرْثُ مَجَازًا عَلَى تَمَحُّضِ الْمِلْكِ لِأَحَدٍ بَعْدَ الْمُشَارَكِ فِيهِ ، أَوْ فِي
[ ص: 283 ] حَالَةِ ادِّعَاءِ الْمُشَارَكِ فِيهِ ، وَمِنْهُ : يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا . وَهُوَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِدٍ ، يَتَعَدَّى إِلَى الْمَتَاعِ الْمَوْرُوثِ ، فَتَقُولُ : وَرِثْتُ مَالَ فُلَانٍ ، وَقَدْ يَتَعَدَّى إِلَى ذَاتِ الشَّخْصِ الْمَوْرُوثِ ، يُقَالُ : وَرِثَ فُلَانٌ أَبَاهُ ، قَالَ تَعَالَى : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي . وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ إِذَا تَعَدَّى إِلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ .
وَتَعْدِيَةُ فِعْلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19أَنْ تَرِثُوا ) إِلَى النِّسَاءِ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ الْأَوَّلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=30578بِتَنْزِيلِ النِّسَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَمْوَالِ الْمَوْرُوثَةِ ، لِإِفَادَةِ تَبْشِيعِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا ، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا ، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا ، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذَا الْآيَةُ . وَعَنْ
مُجَاهِدٍ ، وَالسُّدِّيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ كَانَ الِابْنُ الْأَكْبَرُ أَحَقَّ بِزَوْجِ أَبِيهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْنَاءٌ فَوَلِيُّ الْمَيِّتِ إِذَا سَبَقَ فَأَلْقَى عَلَى امْرَأَةِ الْمَيِّتِ ثَوْبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا . وَكَانَ مِنْ أَشْهَرِ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ
أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا أَوْلَادٌ مِنْهُ :
الْعِيصُ ، وَأَبُو الْعِيصِ ، وَالْعَاصُ ، وَأَبُو الْعَاصِ ، وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ غَيْرِهَا ، مِنْهُمْ
أَبُو عَمْرِو بْنُ أُمَيَّةَ فَخَلَفَ
أَبُو عَمْرٍو عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ ، فَوَلَدَتْ لَهُ :
مُسَافِرًا ، وَأَبَا مُعَيْطٍ ، فَكَانَ
الْأَعْيَاصُ أَعْمَامًا
لِمُسَافِرٍ وَأَبِي مُعَيْطٍ وَإخْوَتَهُمَا مِنَ الْأُمِّ .
وَقَدْ قِيلَ : نَزَلَتِ الْآيَةُ لَمَّا تُوُفِّيَ
أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ رَامَ ابْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ
كَبْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ الْأَنْصَارِيَّةَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَكَانَتْ هَذِهِ السِّيرَةُ لَازِمَةً فِي
الْأَنْصَارِ ، وَكَانَتْ فِي
قُرَيْشٍ مُبَاحَةً مَعَ التَّرَاضِي . وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ " كُرْهًا " حَالًا مِنَ ( النِّسَاءِ ) أَيْ كَارِهَاتٍ غَيْرَ رَاضِيَاتٍ ، حَتَّى يَرْضَيْنَ بِأَنْ يَكُنَّ أَزْوَاجًا لِمَنْ يَرْضَيْنَهُ ، مَعَ مُرَاعَاةِ شُرُوطِ النِّكَاحِ ، وَالْخِطَابُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ .
وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْإِكْرَاهُ بِعَوَائِدِهِمُ الَّتِي تَمَالَأُوا عَلَيْهَا ، بِحَيْثُ لَوْ رَامَتِ الْمَرْأَةُ الْمَحِيدَ عَنْهَا ، لَأَصْبَحَتْ سُبَّةً لَهَا ، وَلَمَا وَجَدَتْ مَنْ يَنْصُرُهَا ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالنِّسَاءِ الْأَزْوَاجُ ، أَيْ أَزْوَاجُ الْأَمْوَاتِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ( تَرِثُوا ) مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمُتَعَدِّيًا إِلَى الْمَوْرُوثِ فَيُفِيدَ
[ ص: 284 ] النَّهْيَ عَنْ أَحْوَالٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ : مِنْهَا أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَعْضُلُونَ النِّسَاءَ ذَوَاتِ الْمَالِ مِنَ التَّزَوُّجِ خَشْيَةَ أَنَّهُنَّ إِذَا تَزَوَّجْنَ يَلِدْنَ فَيَرِثُهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَأَوْلَادُهُنَّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ الْعَاصِبِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ ، وَهُنَّ يَرْغَبْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْأَزْوَاجَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَيَأْبَوْنَ أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ رَغْبَةً فِي أَنْ يَمُتْنَ عِنْدَهُمْ فَيَرِثُوهُنَّ ، فَذَلِكَ إِكْرَاهٌ لَهُنَّ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى حَالَةِ الْكَرَاهِيَةِ ، إِذْ لَا تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ مُخْتَارَةً ، وَعَلَى هَذَا فَالنِّسَاءُ مُرَادٌ بِهِ جَمْعُ امْرَأَةٍ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( كَرْهًا ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُمَا لُغَتَانِ .