الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 294 ] 52 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه عن تقليد الخيل الأوتار

323 - حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، حدثنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله يعني : ابن المبارك ، أخبرني عتبة بن أبي حكيم ، حدثني الحصين بن حرملة ، عن أبي مصبح ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله عليه السلام : { الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها ، وامسحوا نواصيها ، وادعوا لها بالبركة ، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار } .

وهذا - أعني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا تقلدوها الأوتار " - مما تكلم الناس في مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم به .

فكان مما قالوه في ذلك مما أجازه لنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد كأنه يحكيه عن قائل سواه قال : الأوتار ، هاهنا الذحول ، يقول : لا تطلبوا عليها الذحول التي وترتم بها في الجاهلية .

[ ص: 295 ] قال أبو عبيد : وغير هذا أشبه عندي بالصواب . سمعت محمد بن الحسن يقول : معناه الأوتار ، وكانوا يقلدونها إياها فتخنق بها ، قال : ومما يصدق ذلك حديث هشيم ، عن أبي بشر ، عن سليمان اليشكري ، عن جابر : { أن النبي عليه السلام أمر بقطع الأوتار من أعناق الخيل } .

قال أبو عبيد : وبلغني عن مالك أنه قال : إنما كان ذلك يفعل بها مخافة العين عليها ، حدثني به عنه أبو المنذر الواسطي إسماعيل بن عمر ، فأمرهم النبي عليه السلام بقطعها ؛ لأنها لا ترد من قدر الله عز وجل شيئا .

قال أبو عبيد : وهذا يشبه ما كانوا يفعلونه بالتمائم .

قال أبو جعفر : فأما ما حكاه أبو عبيد ، عن أبي المنذر ، عن مالك في تأويل هذا الحديث ، فإنما أخذه فيما نرى ، والله أعلم من حديثه الذي :

324 - حدثناه يونس ، أخبرنا ابن وهب : أن مالكا حدثه عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عباد بن تميم : أن { أبا بشير الأنصاري أخبره : أنه كان مع رسول الله عليه السلام في بعض أسفاره قال : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا ، قال [ ص: 296 ] عبد الله بن أبي بكر ، حسبت أنه قال : والناس في مبيتهم ألا لا تبقين في رقبة بعير قلادة ولا وتر إلا قطعت } .

قال مالك : أرى ذلك من العين .

325 - حدثناه إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، عن مالك ، عن عبد الله ، عن عباد ، عن أبي بشير : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره بعث رجلا وقال : لا تدع قلادة وتر ، ولا قلادة في عنق ، يعني إلا قطعته } .

قال أبو جعفر : فتأملنا حديث جابر الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، فوجدنا فيه أمر النبي عليه السلام بتقليد الخيل بقوله : وقلدوها ، فكان ذلك معقولا أنه أراد التقليد الذي يفعله الناس ، وهو تقليد الخيل في أعناقها ، ثم أتبع ذلك بقوله ، ولا تقلدوها الأوتار ، فانتفى بذلك أن يكون أراد الترات ، وثبت به أن ما يقلده في أعناقها مما أمر بتقليدها إياه ، هو ما لا يخاف عليها منه ، كما يخاف عليها من الأوتار إذا قلد بها ، فبان بذلك صحة ما قال محمد بن الحسن في تأويله هذا المعنى ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية