الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 339 ] 529 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : إذا سقط الذباب في طعام أحدكم فليمقله ثم يلقيه ، فإن في أحد جناحيه شفاء ، وفي الآخر داء ، وإنما يقدم الداء ويؤخر الشفاء

3289 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، وبحر بن نصر قالا : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد القارظي ، قال : أتيت أبا سلمة بن عبد الرحمن أزوره بقباء ، فقدم إلينا زبدا وكتلة ، فسقط في الزبد ذباب ، فجعل أبو سلمة يمقله بخنصره ، فقلت : غفر الله لك يا خال ، ما تصنع ؟ فقال : إني سمعت أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سقط الذباب في الطعام ، فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه سما ، وفي الآخر شفاء ، وإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء .

[ ص: 340 ]

3290 - وحدثنا بكار وإبراهيم بن مرزوق ، قالا : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وقع الذباب في الطعام ، فامقلوه ، ثم ذكر مثله .

3291 - وحدثنا الحسين بن نصر ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : حدثني عتبة بن مسلم ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ، فليغمسه كله ثم يطرحه ، فإن في أحد جناحيه سما ، وفي الآخر شفاء .

[ ص: 341 ]

3292 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال : وحدثنا حماد ، عن حبيب بن الشهيد ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

3293 - وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا إسماعيل بن مرزوق ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن محمد بن العجلان ، أن القعقاع بن حكيم أخبره عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وزاد : فإنما يتقى بالذي فيه الداء ، فليغمسه ثم ليلقه .

[ ص: 342 ]

3294 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى بن رجاء ، قال : حدثنا هشام القردوسي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ، فإن في أحد جناحيه داء ، وفي الآخر شفاء .

3295 - وحدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ، قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمره ، فإن في أحد جناحيه سما ، وفي الآخر شفاء .

[ ص: 343 ] فقال قائل من أهل الجهل بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوجوهها : وهل للذباب من اختيار حتى يقدم أحد جناحيه لمعنى فيه ، ويؤخر الآخر لمعنى فيه خلاف ذلك المعنى .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه لو قرأ كتاب الله عز وجل قراءة متفهم لما يقرؤه منه ، لوجد فيه ما يدله على صدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ، وهو قوله جل وعز : وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات الآية ، وكان وحي الله عز وجل إليها هو إلهامه إياها أن تفعل ما أمرها به ، كمثل قوله جل وعز في الأرض : يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ووحيه لها : هو إلهامه إياها ما شاء أن يلهمها إياه حتى يكون منها ما أراد عز وجل أن يكون منها ، والنحل كذلك فيما يوحيه إليها ليكون منها ما قد شاء الله عز وجل أن يكون منها حتى يمضي في ذلك بإلهامه إياها له ، وحتى يكون منها ما أراد عز وجل أن يكون منها .

فمثل ذلك الذباب ألهمه عز وجل ما ألهمه مما يكون سببا لإتيانه لما أراده منه من غمس أحد جناحيه فيما يقع فيه مما فيه الداء ، والتوقي بجناحه الآخر الذي فيه الشفاء ، ومن ذلك قوله عز وجل مما [ ص: 344 ] أخبر به عن النمل : حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ، فألهمها عز وجل ما كان منها من ذلك مما يكون سببا لنجاتها ونجاة أمثالها من سليمان صلى الله عليه وسلم ومن جنوده ، فمثل ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذباب مما ذكرنا .

ومثل ذلك ما قد أعلمنا الله عز وجل في الهدهد مع سليمان صلى الله عليه وسلم من قوله : إني وجدت امرأة تملكهم الآية ، وكان ذلك لإلهام الله عز وجل إياه ذلك ، ولم يكن قبله من أهل الكلام حتى ألهمه ما ألهمه مما أنطقه به . فمثل ذلك ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذباب مما ذكرنا ، وفيما تلونا مما في كتاب الله عز وجل في النحل ، وفي النمل ما قد دل على أن سائر الأشياء كذلك ، وأن الله عز وجل يلهمها ما شاء إذا شاء حتى يكون بما يلهمها من ذلك لغيرها من سائر خلقه مما هو معروف قبل ذلك بمثل ما كان من ذلك الإلهام ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية