الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      ما جاء في قسمة البلح الكبير والبسر والرطب في رءوس النخل قلت : أرأيت إن أردنا أن نقتسم بلحا في رءوس النخل ورثناه أو اشتريناه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إن كان البلح كبيرا واختلفت حاجتهما في ذلك ، أراد أحدهما أن يأكل البلح وأراد الآخر أن يبيع البلح ، فلا بأس أن يقتسماه على الخرص يخرص بينهما إذا اختلفت حاجتهما إليه ; لأن مالكا كره البلح الكبار واحدا باثنين . قال : ولا أرى أن يباع البلح إذا كان كبيرا إلا مثلا بمثل . قال : وكذلك في البسر والرطب . وقال مالك في البسر والرطب : لا بأس أن يقتسما ذلك على الخرص فيما بينهما إذا اختلفت حاجتهما إليه ، وجعل مالك البلح الكبير في البيع مثل البسر والرطب ، فكذلك ينبغي أن يكون البلح الكبير في القسمة مثل البسر والرطب .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اقتسما هذا البلح الكبير بالخرص وخرص بينهما ، على أن يجده أحدهما ليأكله وأراد الآخر أن يبيعه ، أما يخشى أن يكون هذا بيع الطعام بالطعام ليس يدا بيد ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إذا اقتسماه في رءوس النخل وخرص بينهما ، إذا كانت حاجتهما إليه مختلفة وعرف كل واحد منهما الذي له من ذلك وقد قبض كل واحد منهما الذي له فلا بأس بهذا القسم ، وإن لم يجد الذي حاجته إلى الأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك ، ما لم يتركه حتى يزهي وقسمتهما بالخرص إذا اختلفت حاجتهما قبض . والخرص فيه بمنزلة الكيل ، وكذلك الذي حاجته إلى البيع ; لأن مالكا قال في الرطب إذا اختلفت حاجتهما إلى ذلك فلا بأس أن يقتسماه بالخرص ، ثم يجد كل واحد منهما من الرطب كل يوم مقدار حاجته من ذلك ، فكذلك البلح الكبار في رأيي .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اقتسما هذا البلح الكبير بالخرص وكانت حاجتهما إلى البلح مختلفة ، فجد واحد وترك الآخر حصته حتى أزهى ، أو تركا جميعا حصتهما حتى أزهى النخل ، أتنتقض القسمة فيما بينهما أو تكون القسمة جائزة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : تنتقض القسمة فيما بينهما إن تركاه جميعا حتى أزهى أو تركه أحدهما وجد الآخر .

                                                                                                                                                                                      قلت : ولم نقضت القسمة فيما بينهما ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأنه بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه . ألا ترى أن أحدهما ابتاع نصف نصيب صاحبه بنصف ما صار له من البلح ، فلا يصلح أن يبتاع البلح وإن كان كبيرا على [ ص: 272 ] أن يترك حتى يزهي .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اقتسماه بعدما أزهى وحاجتهما إلى ما في رءوس النخل مختلفة فتركاه حتى أثمر ، أتنتقض القسمة فيما بينهما أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا بأس بذلك ولا تنتقض ، وكذلك قال لي مالك : إذا اختلفت حاجتهم فيه يتمر واحد ويجد آخر ويبيع آخر ; لأن الرجل لو اشترى رطبا في رءوس النخل ثم تركه حتى يتمر ، لم ينتقض البيع فيما بينهما عند مالك وكذلك القسمة أيضا عندي .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية