الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا يجري فيه معظم ما جرى في قوله تعالى يشربون من كأس كان مزاجها كافورا إلخ من الأوجه والزنجبيل قال الدينوري نبت في أرض عمان وهو عروق تسري في الأرض وليس بشجرة ومنه ما يحمل من بلاد الزنج والصين وهو الأجود وكانت العرب تحبه لأنه يوجب لذعا في اللسان إذا مزج بالشراب فيلتذون ولذا يذكرونه في وصف رضاب النساء قال الأعشى :


                                                                                                                                                                                                                                      كأن القرنفل والزنجبيل باتا بفيها وأريا مسورا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال عمرو المسيب بن علس :


                                                                                                                                                                                                                                      وكأن طعم الزنجبيل به     إذ ذقته وسلافة الخمر



                                                                                                                                                                                                                                      وعده بعضهم في المعربات وكون الزنجبيل اسما لعين في الجنة مروي عن قتادة وقال: يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة، والظاهر أنهم تارة يشربون من كأس مزاجها كافور وتارة يسقون من كأس مزاجها زنجبيل، ولعل ذكر ( يسقون ) هنا دون يشربون لأنه الأنسب بما تقدمه من قوله تعالى ويطاف عليهم إلخ ويمكن أن يكون فيه رمز إلى أن هذه الكأس أعلى شأنا من الكأس الأولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الكلبي يسقى بجامين الأول مزاجه الكافور والثاني مزاجه الزنجبيل، والسلسبيل كالسلسل والسلسال قال الزجاج : ما كان من الشراب غاية في السلاسة وسهولة الانحدار في الحلق . وقال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن وكأن العين إنما سميت بذلك لسلاستها وسهولة مساغها قال عكرمة : عين سلسل ماؤها، وقال مجاهد : حديدة الجري سلسلة سهلة المساغ، وقال مقاتل : عين يتسلسل عليهم ماؤها في مجالسهم كيف شاؤوا وهي على ما روي عن قتادة عين تنبع [ ص: 161 ] من تحت العرش من جنة عدن تتسلسل إلى الجنان .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي البحر الظاهر أن هذه العين تسمى سلسبيلا بمعنى توصف بأنها سلسة الانسياغ سهلة في المذاق ولا يحمل سلسبيل على أنه اسم حقيقة لأنه إذ ذاك كان ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية وقد روي عن طلحة أنه قرأه بغير ألف جعله علما لها فإن كان علما فوجه قراءة الجمهور بالتنوين المناسب للفواصل كما قيل في «سلاسلا» «وقواريرا» وزعم الزمخشري أن الباء زيدت فيه حتى صارت الكلمة خماسية، فإن عنى أنها زيدت حقيقة فليس بجيد لأن الباء ليست من حروف الزيادة المعهودة وإن عنى أنها حرف جاء في سنح الكلمة وليس في سلسل ولا في سلسال صح ويكون مما اتفق معناه وكان مختلفا في المادة انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الكشف لا يريد الزيادة المصطلحة ألا ترى إلى قوله حتى صارت خماسية وهو أيضا من الاشتقاق الأكبر فلا تغفل . وقال بعض المعربين سلسبيلا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته بسؤال السبيل إليها وعزوه إلى علي كرم الله تعالى وجهه وهو غير مستقيم بظاهره إلا أن يراد أن جملة قول القائل سلسبيلا جعلت اسما للعين كما قيل تأبط شرا وذرى حبا، وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سال إليها سبيلا بالعمل الصالح وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع، وعزوه إلى مثل الأمير كرم الله تعالى وجهه أبدع ونص بعضهم على أنه افتراء عليه كرم الله تعالى وجهه وفي شعر ابن مطران الشاشي :


                                                                                                                                                                                                                                      سلسبيلا فيها إلى راحة النفس     براح كأنها سلسبيل



                                                                                                                                                                                                                                      وفيه الجناس الملفق واستعمله غير واحد من المحدثين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية