الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تصح ) إن علقت ب ( غير ) ملائم ( نحو إن هبت الريح أو جاء المطر ) لأنه تعليق بالخطر فتبطل ولا يلزم المال [ ص: 307 ] وما في الهداية سهو كما حرره ابن الكمال ، نعم لو جعله أجلا صحت ولزم المال للحال فليحفظ

التالي السابق


مطلب في تعليق الكفالة بشرط غير ملائم وفي تأجيلها .

( قوله : ولا تصح إن علقت بغير ملائم إلخ ) اعلم أن ههنا مسألتين .

إحداهما تأجيل الكفالة إلى أجل مجهول ، فإن كان مجهولا جهالة متفاحشة كقوله كفلت لك بزيد أو كفلت بما لك عليه إلى أن يهب الريح أو إلى أن يجيء المطر لا يصح ، ولكن تثبت الكفالة ويبطل الأجل ، ومثله إلى قدوم زيد وهو غير مكفول به ، وإن كان مجهولا جهالة غير متفاحشة مثل إلى الحصاد أو الدياس أو المهرجان أو العطاء أو صوم النصارى جازت الكفالة والتأجيل ، وكذلك الحوالة ، ومثله إلى أن يقدم المكفول به من سفره ، صرح بذلك كله في كافي الحاكم ، وكذا في الفتح وغيره بلا حكاية خلاف وهذا لا نزاع فيه .

المسألة الثانية تعليق الكفالة بالشرط ، وهذا لا يخلو إما أن يكون شرطا ملائما أو لا ، ففي الأول تصح الكفالة والتعليق وقد مر ، وفي الثاني وهو التعليق بشرط غير ملائم مثل أن يقول إذا هبت الريح أو إذا جاء المطر أو إذا [ ص: 307 ] قدم فلان الأجنبي فأنا كفيل بنفس فلان ، أو بما لك عليه فالكفالة باطلة كما نقله في الفتح عن المبسوط والخانية ، وصرح به أيضا في النهاية والمعراج والعناية وشرح الوقاية ، ومثله في أجناس الناطفي حيث قال : كل موضع أضاف الضمان إلى ما هو سبب للزوم المال فذلك جائز ، وكل موضع أضاف الضمان إلى ما ليس بسبب للزوم فذلك باطل ، كقوله إن هبت الريح فما لك على فلان فعلي ا هـ وجزم بذلك الزيلعي وصاحب البحر والنهر والمنح ، ولكن وقع في كثير من الكتب أنه يبطل التعليق وتصح الكفالة ويلزم المال حالا منها حاشية الهداية للخبازي وغاية البيان ، وكذا الكفاية للبيهقي حيث قال : فإن قال إذا هبت الريح أو دخل زيد الدار فالكفالة جائزة والشرط باطل والمال حال ، وكذا في شرح العيون لأبي الليث والمختار ، ووقع اختلاف في نسخ الهداية ونسخ الكنز ، ففي بعضها كالأول وفي بعضها كالثاني ، وقد مال إلى الثاني العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل وأرجع ما مر عن الخانية وغيرها إليه ، ورد عليه العلامة الشرنبلالي في رسالة خاصة ، وادعى أن ما في الخبازية مؤول وأرجعه إلى ما في الخانية وغيرها ، ورد أيضا على القول الدرر : إن في المسألة قولين .

أقول : والإنصاف ما في الدرر ; لأن ارتكاب تأويل هذه العبارات وإرجاع بعضها إلى البعض يحتاج إلى نهاية التكلف والتعسف ، والأولى اتباع ما مشى عليه جمهور شراح الهداية وشراح الكنز وغيرهم تبعا للمبسوط والخانية من بطلان الكفالة .

( قوله : وما في الهداية ) حيث قال : لا يصح التعليق بمجرد الشرط ، كقوله إن هبت الريح أو جاء المطر إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا ; لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة كالطلاق والعتاق وتبعه صاحب الكافي ، لكن في بعض نسخ الهداية بعد قوله أو جاء المطر ، وكذا إذا جعل واحدا منها أجلا ، وحينئذ فقوله : إلا أنه تصح الكفالة إلخ راجع إلى مسألة الأجل فقط ، ولا ينافيه قوله : لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط إلخ ; لأن المراد به الشرط الملائم ، وقد أطال الكلام على تأويل عبارة الهداية في البحر والنهر وغيرهما .

( قوله : نعم لو جعله أجلا ) أي بأن قال إلى هبوب الريح أو مجيء المطر ونحوه مما هو مجهول جهالة متفاحشة فيبطل التأجيل وتصح الكفالة ، بخلاف ما كانت جهالته غير متفاحشة كالحصاد ونحوه فإنها تصح إلى الأجل كما قدمناه آنفا




الخدمات العلمية