الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 12 ] ( ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين )

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن عباس : يريد أرذل العمر ، وهو مثل قوله : يرد إلى أرذل العمر ، قال ابن قتيبة : السافلون هم الضعفاء والزمنى ، ومن لا يستطيع حيلة ولا يجد سبيلا ، يقال : سفل يسفل فهو سافل وهم سافلون ، كما يقال : علا يعلو فهو عال وهم عالون ، أراد أن الهرم يخرف ويضعف سمعه وبصره وعقله وتقل حيلته ويعجز عن عمل الصالحات ، فيكون أسفل الجميع ، وقال الفراء : ولو كانت أسفل سافل لكان صوابا ، لأن لفظ الإنسان واحد ، وأنت تقول : هذا أفضل قائم ولا تقول : أفضل قائمين ، إلا أنه قيل : سافلين على الجمع لأن الإنسان في معنى جمع فهو كقوله : ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ) [الزمر : 33] وقال : ( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم ) [الشورى : 48] .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : ما ذكره مجاهد والحسن ثم رددناه إلى النار ، قال علي عليه السلام : وضع أبواب جهنم بعضها أسفل من بعض ، فيبدأ بالأسفل فيملأ وهو أسفل سافلين ، وعلى هذا التقدير فالمعنى ثم رددناه إلى أسفل سافلين إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فاعلم أن هذا الاستثناء على القول الأول منقطع ، والمعنى ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله إياهم بالشيخوخة والهرم ، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة وعلى تخاذل نهوضهم ، وأما على القول الثاني فالاستثناء متصل ظاهر الاتصال .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فلهم أجر غير ممنون ) ففيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : غير منقوص ولا مقطوع .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : أجر غير ممنون أي لا يمن به عليهم ، واعلم أن كل ذلك من صفات الثواب ، لأنه يجب أن يكون غير منقطع وأن لا يكون منغصا بالمنة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فما يكذبك بعد بالدين ) وفيه سؤالان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأولى : من المخاطب بقوله : ( فما يكذبك ) ؟ الجواب فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه خطاب للإنسان على طريقة الالتفات ، والمراد من قوله : ( فما يكذبك ) أن كل من أخبر عن الواقع بأنه لا يقع فهو كاذب ، والمعنى فما الذي يلجئك إلى هذا الكذب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو اختيار الفراء أنه خطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى فمن يكذبك يا أيها الرسول بعد ظهور هذه الدلائل بالدين .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : ما وجه التعجب ؟ الجواب : أن خلق الإنسان من النطفة وتقويمه بشرا سويا وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي ، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر دليل واضح على قدرة الخالق على الحشر والنشر ، فمن شاهد هذه الحالة ثم بقي مصرا على إنكار الحشر فلا شيء أعجب منه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية