الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون ( 90 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( 91 ) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ( 92 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا ) وتركتم دينكم ، ( إنكم إذا لخاسرون ) مغبونون ، وقال عطاء : جاهدون . قال الضحاك : عجزة .

                                                                                                                                                                                                                                      ( فأخذتهم الرجفة ) قال الكلبي : الزلزلة ، وقال ابن عباس وغيره : فتح الله عليهم بابا من جهنم ، فأرسل عليهم حرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظل ولا ماء ، فكانوا يدخلون الأسراب ليتبردوا فيها ، فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا من الظاهر ، فخرجوا هربا إلى البرية فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فأظلتهم وهي الظلة ، فوجدوا لها بردا ونسيما فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحت السحابة ، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ، ألهبها الله عليهم نارا ، ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي ، وصاروا رمادا .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي أن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ثم سلط عليهم الحر . قال يزيد الجريري : سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ثم رفع لهم جبل من بعيد ، فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم ، فذلك قوله ( عذاب يوم الظلة ) ( الشعراء - 89 ) ، قال قتادة : بعث الله شعيبا إلى أصحاب الأيكة وأصحاب مدين ، أما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة ، وأما أصحاب مدين فأخذتهم الصيحة ، صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة فهلكوا جميعا . قال أبو عبد الله البجلي : كان أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين ، وكان ملكهم في زمن شعيب عليه [ ص: 259 ] السلام يوم الظلة كلمن ، فلما هلك قالت ابنته تبكيه :

                                                                                                                                                                                                                                      كلمن قد هد ركني هلكه وسط المحله     سيد القوم أتاه
                                                                                                                                                                                                                                      الحتف نارا تحت ظله     جعلت نارا عليهم
                                                                                                                                                                                                                                      دارهم كالمضمحله



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : ( الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ) أي : لم يقيموا ولم ينزلوا فيها ، من قولهم : غنيت بالمكان إذا قمت به ، والمغاني المنازل واحدها مغنى ، وقيل : كأن لم يتنعموا فيها . ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) لا المؤمنين كما زعموا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية