الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عدل ]

                                                          عدل : العدل : ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور ، عدل الحاكم في الحكم يعدل عدلا وهو عادل من قوم عدول وعدل ، الأخيرة اسم للجمع كتجر وشرب ، وعدل عليه في القضية فهو عادل ، وبسط الوالي عدله ومعدلته ، وفي أسماء الله سبحانه : العدل وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ، وهو في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه ; لأنه جعل المسمى نفسه عدلا وفلان من أهل المعدلة ، أي : من أهل العدل ، والعدل : الحكم بالحق ، يقال : هو يقضي بالحق ويعدل ، وهو حكم عادل : ذو معدلة في حكمه ، والعدل من الناس : المرضي قوله وحكمه ، وقال الباهلي : رجل عدل وعادل جائز الشهادة ، ورجل عدل : رضا ومقنع في الشهادة ، قال ابن بري ومنه قول كثير :


                                                          وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن شهود على ليلى عدول مقانع



                                                          ورجل عدل بين العدل والعدالة : وصف بالمصدر ، معناه ذو عدل ، قال في موضعين : وأشهدوا ذوي عدل منكم ، وقال : يحكم به ذوا عدل منكم ، ويقال : رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل وامرأة عدل ونسوة عدل ، كل ذلك على معنى رجال ذوو عدل ونسوة ذوات عدل فهو لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فإن رأيته مجموعا أو مثنى أو مؤنثا ، فعلى أنه قد أجري مجرى الوصف الذي ليس بمصدر ، وقد حكى ابن جني : امرأة عدلة ، أنثوا المصدر لما جرى وصفا على المؤنث ، وإن لم يكن على صورة اسم الفاعل ولا هو الفاعل في الحقيقة ، وإنما استهواه لذلك جريها وصفا على المؤنث ، وقال ابن جني : قولهم رجل عدل وامرأة عدل إنما اجتمعا في الصفة المذكرة ; لأن التذكير إنما أتاها من قبل المصدرية فإذا قيل : رجل عدل فكأنه وصف بجميع الجنس مبالغة ، كما تقول : استولى على الفضل وحاز جميع الرياسة والنبل ونحو ذلك فوصف بالجنس أجمع تمكينا لهذا الموضع وتوكيدا ، وجعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكور ، وكذلك القول في خصم ونحوه مما وصف به من المصادر ، قال : فإن قلت فإن لفظ المصدر قد جاء مؤنثا نحو الزيادة والعيادة والضئولة والجهومة والمحمية والموجدة والطلاقة والسباطة ونحو ذلك ، فإذا كان المصدر نفسه قد جاء مؤنثا فما هو في معناه ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه ، قيل : الأصل لقوته أحمل لهذا المعنى من الفرع لضعفه ، وذلك أن الزيادة والعيادة والجهومة والطلاقة ونحو ذلك مصادر غير مشكوك فيها ، فلحاق التاء لها لا يخرجها عما ثبت في النفس من مصدريتها ، وليس كذلك الصفة ; لأنها ليست في الحقيقة مصدرا ، وإنما هي متأولة عليه ومردودة بالصنعة إليه ، ولو قيل : رجل عدل وامرأة عدلة وقد جرت صفة كما ترى لم يؤمن أن يظن بها أنها صفة حقيقية كصعبة من صعب وندبة من ندب وفخمة من فخم فلم يكن فيها من قوة الدلالة على المصدرية ما في نفس المصدر نفسه نحو الجهومة والشهومة والخلاقة فالأصول لقوتها يتصرف فيها والفروع لضعفها يتوقف بها ويقتصر على بعض ما تسوغه القوة لأصولها ، فإن قيل : فقد قالوا : رجل عدل وامرأة عدلة وفرس طوعة القياد ، وقول أمية :


                                                          والحية الحتفة الرقشاء أخرجها     من بيتها آمنات الله والكلم



                                                          قيل : هذا قد خرج على صورة الصفة ; لأنهم لم يؤثروا أن يبعدوا كل البعد عن أصل الوصف الذي بابه أن يقع الفرق فيه بين مذكرة ومؤنثة فجرى هذا في حفظ الأصول والتلفت إليها للمباقاة لها والتنبيه عليها مجرى إخراج بعض المعتل على أصله نحو استحوذ وضننوا ومجرى إعمال صغته وعدته ، وإن كان قد نقل إلى فعلت لما كان أصله فعلت وعلى ذلك أنث بعضهم فقال خصمة وضيفة وجمع فقال :


                                                          يا عين هلا بكيت أربد إذ     قمنا وقام الخصوم في كبد ؟



                                                          وعليه قول الآخر :


                                                          إذا نزل الأضياف كان عذورا     على الحي حتى تستقل مراجله



                                                          والعدالة والعدولة والمعدلة والمعدلة كله : العدل ، وتعديل الشهود : أن تقول إنهم عدول ، وعدل الحكم : أقامه ، وعدل الرجل : زكاه ، والعدلة والعدلة : المزكون الأخيرة عن ابن الأعرابي ، قال القرملي : سألت عن فلان العدلة ، أي : الذين يعدلونه ، وقال أبو زيد : يقال رجل عدلة وقوم عدلة أيضا وهم الذين يزكون الشهود وهم عدول وقد عدل الرجل بالضم عدالة ، وقوله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم ، قال سعيد بن المسيب : ذوي عقل ، وقال إبراهيم : العدل الذي لم تظهر منه ريبة : وكتب عبد الملك إلى سعيد بن جبير يسأله عن العدل فأجابه : إن العدل على أربعة أنحاء : العدل في الحكم ، قال الله تعالى : حكمت فاحكم بينهم بالعدل ، والعدل في القول قال الله عز وجل : وإذا قلتم فاعدلوا ، والعدل : الفدية قال الله عز وجل : ولا يقبل منها عدل ، والعدل في الإشراك قال الله عز وجل : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، أي : يشركون ، وأما قوله تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ، قال عبيدة السلماني والضحاك : في الحب والجماع ، وفلان يعدل فلانا ، أي : يساويه ، ويقال : ما يعدلك عندنا شيء ، أي : ما يقع عندنا شيء موقعك ، وعدل الموازين والمكاييل : سواها ، وعدل الشيء يعدله عدلا وعادله : وازنه ، وعادلت بين الشيئين ، وعدلت فلانا بفلان إذا [ ص: 62 ] سويت بينهما ، وتعديل الشيء : تقويمه ، وقيل : العدل تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مثلا ، والعدل والعدل والعديل سواء ، أي : النظير والمثيل ، وقيل : هو المثل وليس بالنظير عينه وفي التنزيل : أو عدل ذلك صياما ، قال مهلهل :


                                                          على أن ليس عدلا من كليب     إذا برزت مخبأة الخدور



                                                          والعدل بالفتح : أصله مصدر قولك عدلت بهذا عدلا حسنا ، تجعله اسما للمثل لتفرق بينه وبين عدل المتاع ، كما قالوا : امرأة رزان وعجز رزين للفرق ، والعديل : الذي يعادلك في الوزن والقدر ، قال ابن بري : لم يشترط الجوهري في العديل أن يكون إنسانا مثله ، وفرق سيبويه بين العديل والعدل فقال : العديل من عادلك من الناس والعدل لا يكون إلا للمتاع خاصة ، فبين أن عديل الإنسان لا يكون إنسانا مثله ، وأن العدل لا يكون إلا للمتاع ، وأجاز غيره أن يقال عندي عدل غلامك ، أي : مثله وعدله بالفتح لا غير قيمته ، وفي حديث قارئ القرآن وصاحب الصدقة : فقال ليست لهما بعدل هو المثل ، قال ابن الأثير : هو بالفتح ما عادله من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه ، وقيل : بالعكس ، وقول الأعلم :


                                                          متى ما تلقني ومعي سلاحي     تلاق الموت ليس له عديل



                                                          يقول : كأن عديل الموت فجأته يريد لا منجى منه ، والجمع أعدال وعدلاء ، وعدل الرجل في المحمل وعادله : ركب معه ، وفي حديث جابر : إذ جاءت عمتي بأبي وخالي مقتولين عادلتهما على ناضح ، أي : شددتهما على جنبي البعير كالعدلين ، وعديلك : المعادل لك ، والعدل : نصف الحمل يكون على أحد جنبي البعير ، وقال الأزهري : العدل اسم حمل معدول بحمل ، أي : مسوى به ، والجمع أعدال وعدول عن سيبويه ، وقال الفراء في قوله تعالى : أو عدل ذلك صياما ، قال : العدل ما عادل الشيء من غير جنسه ومعناه ، أي : فداء ذلك ، والعدل : المثل مثل الحمل ، وذلك أن تقول : عندي عدل غلامك ، . وعدل شاتك إذا كانت شاة تعدل شاة أو غلام يعدل غلاما ، فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت عدل ، وربما كسرها بعض العرب قال بعض العرب : عدله وكأنه منهم غلط لتقارب معنى العدل من العدل ، وقد أجمعوا على أن واحد الأعدال عدل ، قال : ونصب قوله صياما على التفسير كأنه عدل ذلك من الصيام وكذلك قوله : ملء الأرض ذهبا ، وقال الزجاج : العدل والعدل واحد في معنى المثل قال : والمعنى واحد كان المثل من الجنس أو من غير الجنس ، قال أبو إسحاق : ولم يقولوا إن العرب غلطت وليس إذا أخطأ مخطئ وجب أن يقول إن بعض العرب غلط ، وقرأ ابن عامر : ( أو عدل ذلك صياما ) ، بكسر العين وقرأها الكسائي وأهل المدينة بالفتح ، وشرب حتى عدل ، أي : صار بطنه كالعدل وامتلأ ، قال الأزهري : وكذلك عدن وأون بمعناه ، ووقع المصطرعان عدلي بعير ، أي : وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر .

                                                          والعديلتان : الغرارتان ; لأن كل واحدة منهما تعادل صاحبتها ، الأصمعي : يقال عدلت الجوالق على البعير أعدله عدلا يحمل على جنب البعير ويعدل بآخر ، ابن الأعرابي : العدل محرك تسوية الأونين وهما العدلان ، ويقال : عدلت أمتعة البيت إذا جعلتها أعدالا مستوية للاعتكام يوم الظعن ، والعديل : الذي يعادلك في المحمل ، والاعتدال : توسط حال بين حالين في كم أو كيف كقولهم جسم معتدل بين الطول والقصر ، وماء معتدل : بين البارد والحار ، ويوم معتدل طيب الهواء ضد معتذل بالذال المعجمة ، وكل ما تناسب فقد اعتدل وكل ما أقمته فقد عدلته ، وزعموا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال : الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني كما يعدل السهم في الثقاف ، أي : قوموني ، قال :


                                                          صبحت بها القوم حتى امتسك     ت بالأرض أعدلها أن تميلا



                                                          وعدله : كعدله ، وإذا مال شيء قلت : عدلته ، أي : أقمته فاعتدل ، أي : استقام ، ومن قرأ قول الله عز وجل : خلقك فسواك فعدلك ، بالتخفيف في أي صورة ما شاء ، قال الفراء : من خفف فوجهه والله أعلم فصرفك إلى أي صورة ما شاء : إما حسن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير ، وهي قراءة عاصم والأخفش ، وقيل : أراد عدلك من الكفر إلى الإيمان وهي نعمة ، ومن قرأ فعدلك فشدد قال الأزهري : وهو أعجب الوجهين إلى الفراء وأجودهما في العربية ، فمعناه قومك وجعلك معتدلا معدل الخلق وهي قراءة نافع وأهل الحجاز ، قال : واخترت عدلك ; لأن في التركيب أقوى في العربية من أن تكون في العدل ; لأنك تقول عدلتك إلى كذا وصرفتك إلى كذا وهذا أجود في العربية من أن تقول عدلتك فيه وصرفتك فيه وقد قال غير الفراء في قراءة من قرأ فعدلك بالتخفيف : إنه بمعنى فسواك وقومك من قولك عدلت الشيء فاعتدل ، أي : سويته فاستوى ومنه قوله :

                                                          وعدلنا ميل بدر فاعتدل أي : قومناه فاستقام ، وكل مثقف معتدل ، وعدلت الشيء بالشيء أعدله عدولا إذا ساويته به ، قال شمر : وأما قول الشاعر :


                                                          أفذاك أم هي في النجا     ء لمن يقارب أو يعادل ؟



                                                          يعني يعادل بين ناقته والثور ، واعتدل الشعر : اتزن واستقام وعدلته أنا ، ومنه قول أبي علي الفارسي لأن المراعى في الشعر إنما هو تعديل الأجزاء ، وعدل القسام الأنصباء للقسم بين الشركاء إذا سواها على القيم ، وفي الحديث : العلم ثلاثة منها فريضة عادلة أراد العدل في القسمة ، أي : معدلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنة من غير جور ، ويحتمل أن يريد أنها مستنبطة من الكتاب والسنة ، فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما ، وقولهم : لا يقبل له صرف ولا عدل قيل : العدل الفداء ، ومنه قوله تعالى : وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ، أي : تفد كل فداء ، وكان أبو عبيدة يقول : وإن تقسط كل إقساط لا يقبل منها ، قال الأزهري : وهذا غلط فاحش وإقدام من أبي [ ص: 63 ] عبيدة على كتاب الله تعالى ، والمعنى فيه : لو تفتدي بكل فداء لا يقبل منها الفداء يومئذ ، مثله قوله تعالى : يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ( الآية ) ، أي : لا يقبل ذلك منه ولا ينجيه ، وقيل : العدل الكيل ، وقيل : العدل المثل وأصله في الدية يقال : لم يقبلوا منهم عدلا ولا صرفا ، أي : لم يأخذوا منهم دية ولم يقتلوا بقتيلهم رجلا واحدا ، أي : طلبوا منهم أكثر من ذلك ، وقيل : العدل الجزاء ، وقيل : الفريضة ، وقيل : النافلة ، وقال ابن الأعرابي : العدل الاستقامة ، وقد ذكر الصرف في موضعه ، وفي الحديث : من شرب الخمر لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أربعين ليلة ، قيل : الصرف الحيلة ، والعدل الفدية ، وقيل : الصرف الدية والعدل السوية ، وقيل : العدل الفريضة والصرف التطوع وروى أبو عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر المدينة فقال : من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا روي عن مكحول أنه قال : الصرف التوبة والعدل الفدية ، قال أبو عبيد : وقوله من أحدث فيها حدثا ، الحدث كل حد يجب على صاحبه أن يقام عليه ، والعدل القيمة يقال : خذ عدله منه كذا وكذا ، أي : قيمته ، ويقال لكل من لم يكن مستقيما : حدل وضده عدل يقال : هذا قضاء حدل غير عدل ، وعدل عن الشيء يعدل عدلا وعدولا : حاد وعن الطريق : جار وعدل إليه عدولا : رجع ، وما له معدل ولا معدول ، أي : مصرف ، وعدل الطريق : مال ، ويقال : أخذ الرجل في معدل الحق ومعدل الباطل ، أي : في طريقه ومذهبه ، ويقال : انظروا إلى سوء معادله ومذموم مداخله ، أي : إلى سوء مذاهبه ومسالكه ، وقال زهير :


                                                          وأقصرت عما تعلمين وسددت     علي سوى قصد الطريق معادله



                                                          وفي الحديث : لا تعدل سارحتكم ، أي : لا تصرف ماشيتكم وتمال عن المرعى ولا تمنع وقول أبي خراش :


                                                          على أنني إذا ذكرت فراقهم     تضيق علي الأرض ذات المعادل



                                                          أراد ذات السعة يعدل فيها يمينا وشمالا من سعتها ، والعدل : أن تعدل الشيء عن وجهه تقول : عدلت فلانا عن طريقه ، وعدلت الدابة إلى موضع كذا ، فإذا أراد الاعوجاج نفسه قيل : هو ينعدل ، أي : يعوج ، وانعدل عنه وعادل : اعوج ، قال ذو الرمة :


                                                          وإني لأنحي الطرف من نحو غيرها     حياء ولو طاوعته لم يعادل



                                                          قال : معناه لم ينعدل ، وقيل : معنى قوله لم يعادل ، أي : لم يعدل بنحو أرضها ، أي : بقصدها نحوا قال : ولا يكون يعادل بمعنى ينعدل ، والعدال : أن يعرض لك أمران فلا تدري إلى أيهما تصير فأنت تروى في ذلك عن ابن الأعرابي وأنشد :


                                                          وذو الهم تعديه صريمة أمره     إذا لم تميثه الرقى ويعادل



                                                          يقول : يعادل بين الأمرين أيهما يركب ، تميثه : تذلله المشورات ، وقول الناس : أين تذهب ، والمعادلة : الشك في أمرين ، يقال : أنا في عدال من هذا الأمر ، أي : في شك منه : أأمضي عليه أم أتركه ، وقد عادلت بين أمرين أيهما آتي ، أي : ميلت وقول ذي الرمة :


                                                          إلى ابن العامري إلى بلال     قطعت بنعف معقلة العدالا



                                                          قال الأزهري : العرب تقول قطعت العدال في أمري ، ومضيت على عزمي ، وذلك إذا ميل بين أمرين أيهما يأتي ، ثم استقام له الرأي فعزم على أولاهما عنده ، وفي حديث المعراج : أتيت بإناءين فعدلت بينهما يقال : هو يعدل أمره ويعادله إذا توقف بين أمرين أيهما يأتي ، يريد أنهما كانا عنده مستويين لا يقدر على اختيار أحدهما ، ولا يترجح عنده وهو من قولهم : عدل عنه يعدل عدولا إذا مال كأنه يميل من الواحد إلى الآخر ، وقال المرار :


                                                          فلما أن صرمت وكان أمري     قويما لا يميل به العدول



                                                          قال : عدل عني يعدل عدولا لا يميل به عن طريقه الميل ، وقال الآخر :

                                                          إذا الهم أمسى وهو داء فأمضه     ولست بممضيه وأنت تعادله



                                                          قال : معناه وأنت تشك فيه ، ويقال : فلان يعادل أمره عدالا ويقسمه ، أي : يميل بين أمرين أيهما يأتي قال ابن الرقاع :


                                                          فإن يك في مناسمها رجاء     فقد لقيت مناسمها العدالا
                                                          أتت عمرا فلاقت من نداه     سجال الخير إن له سجالا



                                                          والعدال : أن يقول واحد : فيها بقية ، ويقول آخر : ليس فيها بقية ، وفرس معتدل الغرة إذا توسطت غرته جبهته فلم تصب واحدة من العينين ولم تمل على واحد من الخدين قاله أبو عبيدة : وعدل الفحل عن الضراب فانعدل : نحاه فتنحى قال أبو النجم :


                                                          وانعدل الفحل ولما يعدل



                                                          وعدل الفحل عن الإبل إذا ترك الضراب ، وعدل بالله يعدل : أشرك ، والعادل : المشرك الذي يعدل بربه ومنه قول المرأة للحجاج : إنك لقاسط عادل ، قال الأحمر : عدل الكافر بربه عدلا وعدولا إذا سوى به غيره فعبده ، ومنه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : قالوا ما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله ، أي : أشركنا به وجعلنا له مثلا ومنه حديثعلي - رضي الله عنه - كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم ، وقولهم للشيء إذا يئس منه : وضع على يدي عدل هو العدل بن جزء بن سعد العشيرة ، وكان ولي شرط تبع فكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه ، فقال الناس : وضع على يدي عدل ثم قيل : ذلك لكل شيء يئس منه ، وعدولى : قرية بالبحرين ، وقد نفى سيبويه فعولى فاحتج عليه بعدولى ، فقال الفارسي : أصلها عدولا وإنما ترك صرفه ; لأنه جعل اسما للبقعة ولم نسمع نحن في أشعارهم عدولا مصروفا ، والعدولية في شعر طرفة : سفن منسوبة إلى عدولى فأما [ ص: 64 ] قول نهشل بن حري :


                                                          فلا تأمن النوكى وإن كان دارهم     وراء عدولات وكنت بقيصرا



                                                          فزعم بعضهم أنه بالهاء ضرورة ، وهذا يؤنس بقول الفارسي ، وأما ابن الأعرابي فقال : هي موضع وذهب إلى أن الهاء فيها وضع لا أنه أراد عدولى ، ونظيره قولهم قهوباة للنصل العريض ، قال الأصمعي : العدولي من السفن منسوب إلى قرية بالبحرين يقال لها عدولى ، قال : والخلج سفن دون العدولية ، وقال ابن الأعرابي في قول طرفة :


                                                          عدولية أو من سفين ابن نبتل



                                                          قال : نسبها إلى ضخم وقدم يقول هي قديمة أو ضخمة ، وقيل : العدولية نسبت إلى موضع كان يسمى عدولاة وهي بوزن فعولاة ، وذكر عن ابن الكلبي أنه قال : عدولى ليسوا من ربيعة ولا مضر ولا ممن يعرف من اليمن إنما هم أمة على حدة قال الأزهري : والقول في العدولي ما قاله الأصمعي : شجر عدولي : قديم واحدته عدولية ، قال أبو حنيفة : العدولي القديم من كل شيء وأنشد غيره :


                                                          عليها عدولي الهشيم وصامله



                                                          ويروى : عداميل الهشيم ، يعني القديم أيضا ، وفي خبر أبي العارم : فآخذ في أرطى عدولي عدملي ، والعدولي : الملاح ، ابن الأعرابي : يقال لزوايا البيت المعدلات والدراقيع والمرويات والأخصام والثفنات ، وروى الأزهري عن الليث : المعتدلة من النوق الحسنة المثقفة الأعضاء بعضها ببعض قال : وروى شمر عن محارب ، قال : المعتدلة من النوق وجعله رباعيا من باب عندل ، قال الأزهري : والصواب المعتدلة بالتاء وروى شمر عن أبي عدنان الكناني أنشده :


                                                          وعدل الفحل وإن لم يعدل     واعتدلت ذات السنام الأميل



                                                          قال : اعتدال ذات السنام الأميل استقامة سنامها من السمن بعدما كان مائلا ؛ قال الأزهري : وهذا يدل على أن الحرف الذي رواه شمر عن محارب في المعندلة غير صحيح ، وأن الصواب المعتدلة ; لأن الناقة إذا سمنت اعتدلت أعضاؤها كلها من السنام وغيره ، ومعندلة من العندل وهو الصلب الرأس ، وسيأتي ذكره في موضعه ; لأن عندل رباعي خالص .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية