الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأنزلنا من المعصرات هي السحائب على ما روي عن ابن عباس وأبي العالية والربيع والضحاك، ولما كانت معصرة اسم مفعول لا معصرة اسم فاعل قيل إنها جمع معصرة من أعصر على أن الهمزة فيه للحينونة؛ أي: حانت وشارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، والإفعال يكون بهذا المعنى كثيرا كما جزر إذا حان وقت جزاره، وأحصد إذا شارفت وقت حصاده ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض. قال أبو النجم العجلي:


                                                                                                                                                                                                                                      تمشي الهوينا مائلا خمارها قد أعصرت أو قد دنا إعصارها



                                                                                                                                                                                                                                      وجوز على تقدير كون الهمزة للحينونة أن يكون المعنى حان لها أن تعصر؛ أي تغيث، ومنه العاصر المغيث؛ ولذا قال ابن كيسان: سميت السحائب بذلك لأنها تغيث فهي من العصرة كأنه في الأصل بمعنى حان أن تعصر بتخييل أن الدم يحصل منها بالعصر، وقيل: إنها جمع لذلك أيضا إلا أن الهمزة لصيرورة الفاعل ذا المأخذ كأيسر وأعسر وألحم؛ أي: صار ذا يسر وصار ذا عسر وصار ذا لحم. وعن ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة أنه الرياح لأنها تعصر السحاب فيمطر، وفسرها بعضهم بالرياح ذوات الأعاصير على أن صيغة اسم الفاعل للنسبة إلى الإعصار بالكسر وهي ريح تثير سحابا ذا رعد وبرق ويعتبر التجريد عليه على ما قيل، والمازني اعتبر النسبة أيضا إلا أنه قال: المعصرات السحائب ذوات الأعاصير؛ فإنها لا بد أن تمطر معها، وأيد تفسيرها بالرياح بقراءة ابن الزبير وابن عباس وأخيه الفضل وعبد الله بن يزيد وعكرمة وقتادة «بالمعصرات» بباء السببية والآلية؛ فإنها ظاهرة في الرياح فإن بها ينزل المال من السحاب، ولهذه القراءة جعل بعضهم «من» في قراءة الجمهور وتفسير «المعصرات» بالرياح للتعليل، وذهب غير واحد إلى أنها للتعليل ابتدائية؛ فإن السحاب كالمبدأ الفاعل للإنزال وتعقب بأن ورود «من» كذلك قليل، وعن أبي الحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة أيضا أنها السماوات، وتعقب بأن السماء لا ينزل منها الماء بالعصر فقيل في تأويله: إن الماء ينزل من السماء إلى السحاب فكأن السماوات يعصرن أي يحملن على عصر الرياح السحاب ويمكن منه، وتعقب بأنه مع بعده إنما يتم لو جاء المعصر بمعنى العاصر؛ أي الحامل على العصر، ولو قيل: المراد بالمعصر الذي حان له أن يعصر كان تكلفا [ ص: 11 ] على تكلف، والذي في الكشف أن الهمزة على التأويل المذكور للتعدية فتدبر ولا تغفل. ماء ثجاجا أي: منصبا بكثرة، يقال: ثج الماء إذا سال بكثرة، وثجه أي أساله، فثج ورد لازما ومتعديا واختير جعل ما في النظم الكريم من اللازم لأنه الأكثر في الاستعمال، وجعله الزجاج من المتعدي كأن الماء المنزل لكثرته يصب نفسه، ومن المتعدي ما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «أفضل الحج العج والثج».

                                                                                                                                                                                                                                      أي: رفع الصوت بالتلبية وصب ماء الهدي، والمراد أفضل أعمال الحج التلبية والنحر ولا يأبى الكثرة كون الماء من المعصرات وظاهره أنه بالعصر وهو لا يحصل منه إلا القليل؛ لأن ذلك غير مسلم ولو سلم فالقلة نسبية. وقرأ الأعرج: «ثجاحا» بجيم ثم حاء مهملة، ومثاجج الماء: مصابه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية