الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 216 ] كتاب الغصب ( قال الشافعي ) : رحمه الله فإذا شق رجل لرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا أو كسر له شيئا كسرا صغيرا أو كبيرا أو رضضه أو جنى له على مملوك فأعماه أو شجه موضحة فذلك كله سواء ، ويقوم المتاع كله ، والحيوان غير الرقيق صحيحا ، ومكسورا أو صحيحا ، ومجروحا قد برئ من جرحه ثم يعطي مالك ذلك ما بين القيمتين ، ويكون ما بقي بعد الجناية لصاحبه نفعه أو لم ينفعه فأما ما جنى عليه من العبد فيقوم صحيحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطى أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر من أرش الجناية من ديته بالغا ذلك ما بلغ ، ولو كانت قيما كما يأخذ الحر ديات .

( قال الشافعي ) : وكيف غلط من زعم أنه إن جنى على عبدي فلم يفسده أخذته وقيمة ما نقصه ، وإن زاد الجاني معصية الله - تعالى - فأفسده سقط حقي إلا أن أسلمه يملكه الجاني فيسقط حقي بالفساد حين عظم ، ويثبت حين صغر ، ويملك علي حين عصى فأفسد فلم يملك بعضا ببعض ما أفسد وهذا القول خلاف لأصل حكم الله - تعالى - بين المسلمين في أن المالكين على ملكهم لا يملك عليهم إلا برضاهم وخلاف المعقول والقياس .

( قال ) : ولو غصب جارية تساوي مائة فزادت في يده بتعليم منه أو لسمن واعتناء من ماله حتى صارت تساوي ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوي مائة فإنه يأخذها وتسعمائة معها كما تكون له لو غصبه إياها وهي تساوي ألفا فنقصت تسعمائة وكذلك هذا في البيع الفاسد والحكم في ولدها الذين ولدوا في الغصب كالحكم في بدنها ، ولو باعها الغاصب فأولدها المشتري ثم استحقها المغصوب أخذ من المشتري مهرها وقيمتها إن كانت ميتة وأخذها إن كانت حية وأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا أحياء ، ولا يرجع عليه بقيمة من سقط ميتا ، ويرجع المشتري على الغاصب بجميع ما ضمنه من قيمة الولد ; لأنه غره ، ولا أرده بالمهر ; لأنه كالشيء يتلفه فلا يرجع بغرمه على غيره ، وإذا كان الغاصب هو الذي أولدها أخذها ، وما نقصها ، ومهر مثلها وجميع ولدها وقيمة من كان منهم ميتا وعليه الحد إن لم يأت بشبهة فإن كان ثوبا فأبلاه المشتري أخذه من المشتري ، وما بين قيمته صحيحا يوم غصبه وبين قيمته ، وقد أبلاه ، ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن الذي دفع ولست أنظر في القيمة إلى تغير الأسواق ، وإنما أنظر إلى تغير الأبدان ، وإن كان المغصوب دابة فشغلها الغاصب أو لم يشغلها أو دارا فسكنها أو أكراها أو لم يسكنها ، ولم يكرها فعليه كراء مثل كراء ذلك من حين أخذه حتى يرده وليس الغلة بالضمان إلا للمالك الذي قضى له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأدخل الشافعي رحمه الله على من قال إن الغاصب إذا ضمن سقط عنه الكراء قوله إذا اكترى قميصا فائتزر به أو بيتا فنصب فيه رحى أنه ضامن وعليه الكراء . قال : ولو استكره أمة أو حرة فعليه الحد والمهر ، ولا معنى للجماع إلا في منزلتين إحداهما : أن تكون هي زانية محدودة فلا مهر لها ، ومنزلة تكون مصابة بنكاح فلها مهرها ، ومنزلة تكون شبهة بين النكاح الصحيح والزنا الصريح فلما لم يختلفوا أنها إذا أصيبت بنكاح فاسد أنه لا حد عليها ولها المهر عوضا من [ ص: 217 ] الجماع انبغى أن يحكموا لها إذا استكرهت بمهر عوضا من الجماع ; لأنها لم تبح نفسها فإنها أحسن حالا من العاصية بنكاح فاسد إذا كانت عالمة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله في السرقة حكمان أحدهما لله - عز وجل - والآخر للآدميين فإذا قطع لله - تعالى - أخذ منه ما سرق للآدميين فإن لم يؤخذ فقيمته ; لأني لم أجد أحدا ضمن مالا بعينه بغصب أو عدوان فيفوت إلا ضمن قيمته ، ولا أجد في ذلك موسرا مخالفا لمعسر . وفي المغتصبة : حكمان . أحدهما لله والآخر للمغتصبة بالمسيس الذي العوض منه المهر فأثبت ذلك والحد على المغتصب كما أثبت الحد والغرم على السارق .

التالي السابق


الخدمات العلمية