الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 408 ] 537 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رخصته للمحرم أن يضمد عينيه بالصبر إذا اشتكاهما

3346 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى ، عن نبيه بن وهب ، عن أبان بن عثمان ، أنه حدثه ، عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص أو قال : إذا اشتكى المحرم عينيه أن يضمدهما بالصبر .

[ ص: 409 ] فتأملنا هذا الحديث لنقف على الرخصة المذكورة فيه ما هي .

فوجدنا التضميد : تغطية ما يضمد به ، وكان الصبر في نفسه غير طيب ، فعقلنا بذلك أن الرخصة لم تكن للصبر في نفسه ، وإنما كانت لغيره من الضماد الذي يضمد به ، فيكون ذلك تغطية لوجه المحرم أو لما يغطى به من وجهه ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لم يقل له ضماد ولقيل له : دمام .

فقال قائل : فكيف يكون ما ذكرت كما وصفت وقد روي عن عثمان رضي الله عنه ما يدفع ذلك . ؟

فذكر ما قد حدثنا يونس وعيسى بن إبراهيم ، قالا : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : رأيت عثمان رضي الله عنه بالعرج مخمرا وجهه بقطيفة أرجوان وهو محرم .

[ ص: 410 ]

وما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد أنه قال : أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي ، أنه رأى عثمان بالعرج ، ثم ذكر مثله .

قال : ففي هذا الحديث ما قد دل أن عثمان كان لا يرى بتغطية الوجه في الإحرام بأسا ، فدل ذلك أن الرخصة التي في الحديث الأول لم تكن لما ذكرت .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك لضرورة دعته إليه ، وأنه يكفر مع ذلك ، كما روي عن عبد الله بن عباس في مثله

مما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن [ ص: 411 ] أبي معبد - مولى ابن عباس - أن ابن عباس ، قال له : يا أبا معبد رد علي طيلساني ، وهو محرم ، قال : قلت : كنت تنهى عن هذا ! قال : إني أريد أن أفتدي .

فاحتمل أن يكون عثمان لو سئل عن ما فعل من ذلك لأخبر أنه فعله ليفتدي ، وفيما ذكرنا ما قد بان به أن تغطية الوجه في الإحرام حرام على المحرم ، وقد روي هذا القول عن عبد الله بن عمر .

كما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره ( ح ) ، وكما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : ما فوق الذقن من الرأس ، فلا يخمره المحرم .

فهذا عبد الله بن عمر قد كان يذهب إلى هذا القول أيضا ، والقياس يوجبه ؛ لأن المرأة أوسع أمرا في الإحرام من الرجل ؛ لأنها تلبس القميص ، وتغطي رأسها في إحرامها ، والرجل ليس كذلك ؛ لأنه لا يغطي رأسه في إحرامه ولا يلبس القميص فيه ، وإذا كانت المرأة مع سعة أمرها في الإحرام لا تغطي وجهها فيه كان الرجل بذلك أولى ، وهكذا كان يقول أبو حنيفة ومالك بن أنس في ذلك ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية