الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب شفعة أهل الكفر . ( قال : رحمه الله وإذا اشترى الكافر دارا بخمر أو خنزير وشفيعها كافر أخذها بخمر بمثل تلك الخمر وبقيمة الخنزير ) ; لأن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم ، فالبيع بهما صحيح بينهم ثم الشفيع يأخذ بمثل ما يملك به المشتري صورة ومعنى فيما له مثل ، فالخمر بهذه الصفة ، فهي مكيلة أو موزونة وبالمثل معنى فيما لا مثل له من جنسه والخنزير من هذه الصفة ، فإنه حيوان ليس من ذوات الأمثال فيأخذها بقيمته وإن اشتراها بميتة أو دم ، فلا شفعة فيها ; لأنها ليست بمال متقوم في حقهم ، فالشراء بها يكون باطلا وبالعقد الباطل لا تجب الشفعة وإن اشتراها بخمر وشفيعها مسلم وكافر فهما سواء في الشفعة ; لأن الأخذ بالشفعة من المعاملات وهم في ذلك يستوون بالمسلمين والمقصود دفع ضرر سوء المجاورة وحاجة الذمي إلى ذلك كحاجة المسلم فيأخذ الذمي نصفها بمثل نصف الخمر والمسلم نصفها بنصف قيمة الخمر اعتبارا للبعض بالكل ، وهذا ; لأنه يعجز المسلم عن تمليك عين الخمر وقدر الكافر على ذلك

فإن أسلم الشفيع الكافر قبل أن يأخذها لم تبطل شفعته ; لأن الإسلام سبب لتأكد حقه لا لإبطاله ، ولكن يأخذ بقيمة الخمر ; لأنه قد عجز عن تمليك عين الخمر بعد إسلامه فيأخذ بالقيمة كما لو كان مسلما عند العقد ، ألا ترى أن المسلم لو اشترى دارا بكر من رطب فجاء الشفيع بعد ما انقطع الرطب من أيدي الناس ، فإنه يأخذها بقيمة الرطب بهذا المعنى وإذا أسلم أحد المتبايعين والخمر غير [ ص: 169 ] مقبوضة والدار مقبوضة أو غير مقبوضة انتقض البيع لفوات القبض المستحق بالعقد ، فالإسلام يمنع قبض الخمر بحكم البيع كما يمنع العقد على الخمر ، ولكن لا يبطل حق الشفيع في الشفعة ; لأن وجوب الشفعة بأصل البيع وقد كان صحيحا وبقاؤه ليس بشرط لبقاء حق الشفيع في الشفعة كما لو اشترى دارا بعبد فمات العبد قبل التسليم في الخمر بينه وبين الآخر بسبب إسلامه وبذلك انتقض البيع ولم يبطل به حق الشفيع فيأخذها الشفيع بقيمة الخمر إن كان هو مسلما أو كان المأخوذ منه مسلما لتعذر تمليك عين الخمر بينهما وإن كانا كافرين أخذها بمثل تلك الخمر ; لأن من أسلم من المتعاقدين قد تعذر القبض والتسليم في الخمر بينه وبين الآخر بسبب إسلامه وذلك غير موجود بين الشفيع والمأخوذ منه ولو كانا كافرين وإذا كان إسلام أحد المتعاقدين بعد قبض الخمر قبل قبض الدار ، فالبيع بينهما يبقى صحيحا ; لأن حكم العقد في الخمر ينتهي بالقبض والإسلام لا يمنع قبض الدار ، فإذا اشترى الدار بيعة أو كنيسة أو بيت نار ثم حضر الشفيع فله أن يأخذها بالشفعة ; لأن حقه مقدم على حق المشتري وهو متمكن من بعض ما للمشتري وتصرفه ، ألا ترى أن المسلم لو كان جعل الدار مسجدا ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذها بالشفعة فهذا أولى ; لأن اتخاذ البيعة معصية ليس فيها معنى الطاعة ولو مات المشتري فبيعت الدار في دينه ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذها بالبيع الأول ويبطل البيع الثاني كما لو كان المشتري هو الذي باعها بنفسه ولو كان المشتري للدار بالخمر ذميا فأسلم وارثه بعد موته كان للشفيع أن يأخذها بقيمة الخمر كما لو كان المشتري هو الذي أسلم بنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية