الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين

                                                                                                                                                                                                                                        (23) يقول تعالى: يا أيها الذين آمنوا اعملوا بمقتضى الإيمان، بأن توالوا من قام به، وتعادوا من لم يقم به.

                                                                                                                                                                                                                                        و لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم أولياء إن استحبوا أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة الكفر على الإيمان

                                                                                                                                                                                                                                        ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون لأنهم تجرأوا على معاصي الله، واتخذوا أعداء الله أولياء، وأصل الولاية: المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله، ومحبتهم على محبة الله ورسوله.

                                                                                                                                                                                                                                        (24) ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة الله ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: قل إن كان آباؤكم ومثلهم الأمهات وأبناؤكم وإخوانكم في النسب والعشرة وأزواجكم وعشيرتكم أي: قراباتكم عموما وأموال اقترفتموها أي: [ ص: 643 ] اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كد.

                                                                                                                                                                                                                                        وتجارة تخشون كسادها أي: رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        ومساكن ترضونها من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فأنتم فسقة ظلمة.

                                                                                                                                                                                                                                        فتربصوا أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب حتى يأتي الله بأمره الذي لا مرد له.

                                                                                                                                                                                                                                        والله لا يهدي القوم الفاسقين أي: الخارجين عن طاعة الله، المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات.

                                                                                                                                                                                                                                        وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمهما على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله.

                                                                                                                                                                                                                                        وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يفوت عليه محبوبا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية