الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الشفعة في البناء وغيره . قال : ( رحمه الله وإذا اشترى الرجل دارا بألف درهم ثم اختلف الشفيع والمشتري فقال المشتري أحدثت فيها هذا البناء وكذبه الشفيع ، فالقول قول المشتري ) لإنكاره الشراء في البناء [ ص: 177 ] ولو أنكر الشراء في أصل الدار كان القول قوله فكذلك في البناء وإن أقاما البينة فالبينة بينة الشفيع ; لأنه ثبت حقه في البناء بسبب ثبوت حقه فيها وهو الشراء ; ولأن الشفيع يثبت إقرار المشتري بأنه اشترى البناء وذلك إكذاب منه لشهوده وعلى هذا اختلافهما في شجر الأرض ، ولكن إنما يقبل قول المشتري إذا كان محتملا حتى إذا قال : أحدثت فيها هذه الأشجار أمس لم يصدق على ذلك لأن كل أحد يعلم أنه كاذب فيما يقول وكذلك فيما أشبه من البناء وغيره وإن قال اشتريتها منذ عشر سنين وأحدثت فيها هذا ، فالقول قوله ; لأن خبره محتمل وهو منكر لثبوت حق الشفيع فيما زعم أنه أحدثه ولا قول للبائع في شيء من ذلك لأنه بالتسليم خرج من الوسط والتحق بأجنبي آخر

وإن قال المشتري اشتريت البناء بخمسمائة ثم اشتريت الأرض بعد ذلك بخمسمائة أو قال الشفيع اشتريتهما معاففي القياس القول للمشتري اشتريت البناء بخمسمائة ثم اشتريت الأرض بعد ذلك بخمسمائة أو قال : اشتريت الأرض بغير بناء بخمسمائة ثم اشتريت البناء بعد ذلك ، فلا شفعة لك في البناء وقال الشفيع اشتريتهما معا ففي القياس القول قول المشتري ; لأنه ينكر ثبوت حق الشفيع في البناء ، ألا ترى أنه لو قال : وهب لي البناء واشتريت الأرض كان القول في ذلك قوله فكذلك هنا ، ولكنه استحسن فقال القول قول الشفيع هنا ; لأن المشتري أقر بالسبب المثبت لحق الشفيع في الأرض والبناء وهو الشراء ثم ادعى تفريق الصفقة ليسقط به حقه في البناء وذلك حادث يدعيه فلا يقبل قوله في ذلك ، ولكن القول قول الشفيع لإنكاره ، ولا قول للبائع في شيء من ذلك .

فأما في الهبة هو لم يقر بالسبب المثبت لحق الشفيع فالسائل الشفيع يدعي ذلك وهو منكر ، فالقول قوله ويأخذ الشفيع الأرض بغير بناء وإن قال البائع لم أهب لك البناء ، فالقول قوله مع يمينه ويأخذ بناءه وإن قال قد وهبته لك كانت الهبة جائزة وكذلك لو قال : اشتريت النصف ثم النصف وقال الجار اشتريت الكل بعقد واحد فالقول قول الشفيع استحسانا لما قلنا ، فإن أقاما جميعا البينة فعلى قول أبي يوسف البينة بينة المشتري ; لأنه هو المحتاج إليها لإثبات تفريق الصفقة وإثبات شيء بخلاف الظاهر وعند محمد البينة بينة الشفيع ; لأنه يثبت استحقاق جميع الدار ; ولأنا نجعل كأن الأمرين كانا إذ لا تنافي بينهما ولو اشترى النصف ثم النصف ثم اشترى الكل أو على عكس ذلك كان للشفيع أن يأخذ الكل بالشفعة فكذلك هنا وإن ادعى المشتري أنه اشترى جميع ذلك معا وادعى الشفيع أنه اشتراه متفرقا فالقول قول المشتري لإنكاره تفريق الصفقة وإنكاره [ ص: 178 ] ما ادعى الشفيع من ثبوت حق الأخذ له في النصف دون النصف ، فإن قال المشتري وهب لي هذا البيت بطريقه إلى باب الدار وباعني ما بقي من الدار بألف درهم وقال الشفيع بل اشتريت الدار كلها بألف درهم ، فالقول قول المشتري في البيت لإنكاره سبب ثبوت حق الشفيع فيه ويأخذ الشفيع الدار كلها غير البيت وطريقها إن شاء ; لأن المشتري أقر بوجود السبب الموجب لحق الشفيع فيما سوى البيت وادعى لنفسه حق التقدم عليه بالشركة في الطريق ، فلا يثبت ما ادعاه بغير حجة فلهذا كان للشفيع أن يأخذ ما سوى البيت وإنجحد البائع هبة البيت فالقول قوله مع يمينه وإن أقر بها ، فالبيت للموهوب له ، ولكن لا يصدقان على إبطال شفعة الشفيع في سائر الدار ; لأن شركته في الطريق سابقا على الشراء لا يظهر بقولهما حق الشفيع ، إلا أن تقوم البينة على الهبة قبل الشراء فحينئذ الثابت بالبينة ، كالثابت بإقرار الخصم فيصير هو أولى بالدار من الجار .

التالي السابق


الخدمات العلمية