الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6210 ) مسألة قال : { فإن لم يستطع ، فإطعام ستين مسكينا } ، أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ، ولم يستطع الصيام ، أن فرضه إطعام ستين مسكينا ، على ما أمر الله تعالى في كتابه ، وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر ، أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه ، أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع { ، فإن أوس بن الصامت ، لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيام ، قالت امرأته : يا رسول الله ، إنه شيخ كبير ، ما به من صيام . قال : فليطعم ستين مسكينا } . { ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال : وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام ، قال : فأطعم } . فنقله إلى الإطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام . وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما .

                                                                                                                                            ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض ، وإن كان مرجو الزوال ; لدخوله في قوله سبحانه وتعالى : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } . ولأنه لا يعلم أن له نهاية ، فأشبه الشبق . ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر ; لأن السفر لا يعجزه عن الصيام ، وله نهاية ينتهي إليها ، وهو من أفعاله الاختيارية . والواجب في الإطعام إطعام ستين مسكينا ، لا يجزئه أقل من ذلك . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما ، أجزأه . وحكاه القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد ; لأن هذا المسكين لم يستوف قوت يومه من هذه الكفارة ، فجاز أن يعطى منها ، كاليوم الأول .

                                                                                                                                            ولنا قول الله تعالى : { فإطعام ستين مسكينا } . وهذا لم يطعم إلا واحدا ، فلم يمتثل الأمر ، ولأنه لم يطعم ستين مسكينا ، فلم يجزئه ، كما لو دفعها إليه في يوم واحد ، ولأنه لو جاز الدفع إليه في أيام ، لجاز في يوم واحد ، كالزكاة وصدقة الفطر ، يحقق هذا أن الله أمر بعدد المساكين ، لا بعدد الأيام ، وقائل هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين ، والمعنى في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة ، وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه منها ، وأخذ منها قوت يوم ، فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني ، كما لو أوصى إنسان بشيء لستين مسكينا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية