الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( الذي جمع مالا وعدده ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( الذي جمع مالا وعدده ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ( الذي ) بدل من كل أو نصب على ذم ، وإنما وصفه الله تعالى بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال ، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فيستنقص غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي وابن عامر " جمع " بالتشديد والباقون بالتخفيف ، والمعنى في جمع وجمع واحد متقارب ، والفرق أن " جمع " بالتشديد يفيد أنه جمعه من ههنا وههنا ، وأنه لم يجمعه في يوم واحد ، ولا في يومين ، ولا في شهر ولا في شهرين ، يقال : فلان يجمع الأموال أي يجمعها من ههنا وههنا ، وأما جمع بالتخفيف ، فلا يفيد ذلك ، وأما قوله : ( مالا ) فالتنكير فيه يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن يقال : [ ص: 88 ] المال اسم لكل ما في الدنيا كما قال : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) [ الكهف : 49 ] فمال الإنسان الواحد بالنسبة إلى مال كل الدنيا حقير ، فكيف يليق به أن يفتخر بذلك القليل .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون المراد منه التعظيم ؛ أي : مال بلغ في الخبث والفساد أقصى النهايات . فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر به ؟ أما قوله : ( وعدده ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها أنه مأخوذ من العدة وهي الذخيرة يقال : أعددت الشيء لكذا وعددته إذا أمسكته له وجعلته عدة وذخيرة لحوادث الدهر .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : عدده أي : أحصاه وجاء التشديد لكثرة المعدود كما يقال : فلان يعدد فضائل فلان ، ولهذا قال السدي : وعدده أي أحصاه يقول : هذا لي وهذا لي يلهيه ماله بالنهار فإذا جاء الليل كان يخفيه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : عدده أي كثره يقال : في بني فلان عدد أي كثرة ، وهذان القولان الأخيران راجعان إلى معنى العدد ، والقول الثالث إلى معنى العدة ، وقرأ بعضهم " وعدده " بالتخفيف وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون المعنى : جمع المال وضبط عدده وأحصاه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : جمع ماله وعدد قومه الذين ينصرونه من قولك : فلان ذو عدد وعدد إذا كان له عدد وافر من الأنصار ، والرجل متى كان كذلك كان أدخل في التفاخر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية