الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ومن ركع أو سجد قبل إمامه ، فعليه أن يرفع ليأتي به بعده . فإن لم يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي ، فإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا فهل تبطل صلاته ؛ على وجهين . وإن كان جاهلا أو ناسيا لم تبطل ، وهل تبطل تلك الركعة ؛ على روايتين ، فإن ركع ورفع قبل ركوعه ، ثم سجد قبل رفعه ، بطلت صلاته إلا الجاهل والناسي تصح صلاتهما ، وتبطل تلك الركعة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع ليأتي به بعده ) الأولى : أن يشرع في أفعال الصلاة بعد شروع الإمام ; لقوله عليه السلام : إنما جعل [ ص: 54 ] الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا . وقال البراء : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال : سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده متفق عليهما . فإن كبر معه للإحرام لم تنعقد صلاته ; لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته ، وإن سلم معه كره وصح ، وقيل : لا ، كسلامه قبله بلا عذر عمدا أو سهوا يعيده بعده ، وإلا بطلت ، وإن فعل الباقي معه كره لمخالفة السنة ، ولم تفسد صلاته ; لأنه اجتمع معه في الركن . ذكره السامري وجماعة ، وقال في ( المبهج ) : تبطل ، وبعده في " الرعاية " ، وقيل : إن سارقه بالركوع بطلت لا بغيره ، ولا يجوز أن يسبقه جزم به الأكثر ; لقوله عليه السلام : أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ، متفق عليه . ونقل مهنا : تبطل ، وفي " الكافي " ، و " الشرح " أنه ظاهر كلامه ، والصحيح أنها لا تبطل .

                                                                                                                          فعلى هذا ، متى سبقه بالركوع وجب عليه العود ليركع معه ; وهو المراد بقوله : ليأتي به بعده . ( فإن لم يفعل عمدا ) أي : لم يعد حتى لحق الإمام فيه ( بطلت صلاته عند أصحابنا ) حكاه في " المحرر " قولا ; لأنه ترك الواجب عمدا . ( إلا القاضي ) فإنها لا تبطل عنده ، وصححه في " المذهب " ، وذكر في " التلخيص " أنه المشهور ، وقدمه في " المحرر " ; لأنه سبق يسير ، وقد اجتمع معه في الركن المقصود ، وعلى هذا إن عاد بطلت في وجه ، وبعده ابن حمدان ، وظاهره : أنه إذا فعل ذلك سهوا أو جهلا أنها تصح في الأصح ( فإن ) سبقه بركن مثل إن ( ركع ، ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا فهل تبطل صلاته ؛ على وجهين ) وكذا ذكره أبو الخطاب ، وذكر السامري وجماعة أنهما روايتان : إحداهما : تبطل ، نص [ ص: 55 ] عليه ، وقدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه سبقه بركن كامل ; وهو معظم الركعة ، أشبه ما لو سبقه بالسلام ، وللنهي ، والثانية : لا تبطل . ذكره في " التلخيص " أنه المشهور ; لأنه سبقه بركن واحد أشبه التي قبلها ، فعلى هذه لا يعتد له بتلك الركعة في أصح الروايتين ، قاله في " المذهب " ، والأصح أن الركوع ركن ، وعنه : كاثنين ( وإن كان جاهلا أو ناسيا لم تبطل ) لقوله عليه السلام : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان . وهل تبطل تلك الركعة إذا فاته ذلك مع إمامه ؛ على روايتين : المذهب أنها تبطل إن لم يأت بما فاته مع إمامه ; لأنه لم يقتد بإمامه في الركوع ، أشبه ما لم يدركه ، والثانية : لا تلغى بل يعتد ; لأنه معذور بجهله أو نسيانه ، قال ابن تميم : وكما لو كان عامدا ، وقلنا بصحة صلاته بالسبق بركن غير الركوع . قال في " المحرر " : وخرج منها الأصحاب صحة الصلاة مع العمد ; لأن الجاهل عامد ، والجهل بالحظر لا يبيح المحظور ; فإن سبقه بركعتين بأن ( ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه ) عمدا ( بطلت صلاته ) جزم به الأصحاب ; لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة ( إلا الجاهل والناسي تصح صلاتهما ) لأن التحريم بالصلاة صحيح ، ولم يوجد ما يبطله ; لأن فعل الجاهل والناسي يعذران فيه للخبر . ( وتبطل تلك الركعة ) لأنه لم يقتد بإمامه فيها ، وهذا إذا لم يأت بذلك مع إمامه . قال ابن تميم ، وابن حمدان والجد : وأما السبق بالأقوال ; فإنه لا يضر سوى تكبيرة الإحرام ، والسلام كما تقدم . قال في " المستوعب " : إذا سبق إمامه في جميع الأقوال لم يضره إلا تكبيرة الإحرام ; فإنه يشترط أن يأتي بها بعده ، والمستحب أن يتأخر بما عداها ، وحكم التخلف عن الإمام بركن أو أكثر يأتي في صلاة الجمعة .

                                                                                                                          [ ص: 56 ] فرع : إذا تركت متابعة إمامه مع علمه بالتحريم بطلت ; فإن تخلف عنه بركعة فأكثر لعذر تابعه ، وقضى كمسبوق .




                                                                                                                          الخدمات العلمية