الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عرف ]

                                                          عرف : العرفان : العلم ، قال ابن سيده : وينفصلان بتحديد لا يليق بهذا المكان ، عرفه يعرفه عرفة وعرفانا وعرفانا ومعرفة واعترفه ، قال أبو ذؤيب يصف سحابا :


                                                          مرته النعامى فلم يعترف خلاف النعامى من الشأم ريحا

                                                          ورجل عروف وعروفة : عارف يعرف الأمور ولا ينكر أحدا رآه مرة ، والهاء في عروفة للمبالغة ، والعريف والعارف بمعنى ؛ مثل عليم وعالم ، قال طريف بن مالك العنبري ، وقيل طريف بن عمرو :


                                                          أو كلما وردت عكاظ قبيلة     بعثوا إلي عريفهم يتوسم

                                                          أي : عارفهم ، قال سيبويه : هو فعيل بمعنى فاعل كقولهم ضريب قداح ، والجمع عرفاء ، وأمر عريف وعارف معروف فاعل بمعنى مفعول ، قال الأزهري : لم أسمع أمر عارف ، أي : معروف لغير الليث ، والذي حصلناه للأئمة رجل عارف ، أي : صبور ، قاله أبو عبيدة وغيره ، والعرف بالكسر : من قولهم ما عرف عرفي إلا بأخرة ، أي : ما عرفني إلا أخيرا ، ويقال : أعرف فلان فلانا وعرفه إذا وقفه على ذنبه ثم عفا عنه ، وعرفه الأمر : أعلمه إياه ، وعرفه بيته : أعلمه بمكانه ، وعرفه به : وسمه ، قال سيبويه : عرفته زيدا فذهب إلى تعدية عرفت [ ص: 111 ] بالتثقيل إلى مفعولين يعني أنك تقول عرفت زيدا فيتعدى إلى واحد ، ثم تثقل العين فيتعدى إلى مفعولين ، قال : وأما عرفته بزيد فإنما تريد عرفته بهذه العلامة وأوضحته بها ، فهو سوى المعنى الأول ، وإنما عرفته بزيد كقولك سميته بزيد ، وقوله أيضا إذا أراد أن يفضل شيئا من النحو أو اللغة على شيء : والأول أعرف ، قال ابن سيده : عندي أنه على توهم عرف ; لأن الشيء إنما هو معروف لا عارف ، وصيغة التعجب إنما هي من الفاعل دون المفعول ، وقد حكى سيبويه : ما أبغضه إلي ، أي : أنه مبغض فتعجب من المفعول كما يتعجب من الفاعل حتى قال : ما أبغضني له ، فعلى هذا يصلح أن يكون أعرف هنا مفاضلة وتعجبا من المفعول الذي هو المعروف ، والتعريف : الإعلام ، والتعريف أيضا : إنشاد الضالة ، وعرف الضالة : نشدها ، واعترف القوم : سألهم ، وقيل : سألهم عن خبر ليعرفه ، قال بشر بن أبي خازم :


                                                          أسائلة عميرة عن أبيها     خلال الجيش تعترف الركابا

                                                          قال ابن بري : ويأتي تعرف بمعنى اعترف ، قال طريف العنبري :


                                                          تعرفوني أنني أنا ذاكم     شاك سلاحي في الفوارس معلم

                                                          وربما وضعوا اعترف موضع عرف كما وضعوا عرف موضع اعترف ، وأنشد بيت أبي ذؤيب يصف السحاب ، وقد تقدم في أول الترجمة ، أي : لم يعرف غير الجنوب ; لأنها أبل الرياح وأرطبها ، وتعرفت ما عند فلان ، أي : تطلبت حتى عرفت ، وتقول : ائت فلانا فاستعرف إليه حتى يعرفك ، وقد تعارف القوم ، أي : عرف بعضهم بعضا ، وأما الذي جاء في حديث اللقطة : فإن جاء من يعترفها فمعناه معرفته إياها بصفتها وإن لم يرها في يدك ، يقال : عرف فلان الضالة ، أي : ذكرها وطلب من يعرفها فجاء رجل يعترفها ، أي : يصفها بصفة يعلم أنه صاحبها ، وفي حديث ابن مسعود : فيقال لهم : هل تعرفون ربكم ؟ فيقولون : إذا اعترف لنا عرفناه ، أي : إذا وصف نفسه بصفة نحققه بها عرفناه ، واستعرف إليه : انتسب له ليعرفه ، وتعرفه المكان وفيه : تأمله به أنشد سيبويه :

                                                          وقالوا تعرفها المنازل من منى     وما كل من وافى منى أنا عارف

                                                          . وقوله عز وجل : وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض ، وقرئ : " عرف بعضه " بالتخفيف ، قال الفراء : من قرأ عرف بالتشديد فمعناه أنه عرف حفصة بعض الحديث وترك بعضا ، قال : وكأن من قرأ بالتخفيف أراد غضب من ذلك ، وجازى عليه كما تقول للرجل يسيء إليك : وا لأعرفن لك ذلك ، قال : وقد لعمري جازى حفصة بطلاقها ، وقال الفراء : وهو وجه حسن قرأ بذلك أبو عبد الرحمن السلمي ، قال الأزهري : وقرأ الكسائي والأعمش عن أبي بكر عن عاصم ( عرف بعضه ) ، خفيفة وقرأ حمزة ونافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر اليحصبي عرف بعضه ، بالتشديد وفي حديث عوف بن مالك : لتردنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : لأجازينك بها حتى تعرف سوء صنيعك وهي كلمة تقال عند التهديد والوعيد ، ويقال للحازي : عراف ، وللقناقن عراف وللطبيب عراف لمعرفة كل منهم بعلمه ، والعراف : الكاهن ، قال عروة بن حزام :


                                                          فقلت لعراف اليمامة داوني     فإنك إن أبرأتني لطبيب

                                                          وفي الحديث : من أتى عرافا أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد أراد بالعراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه ، والمعارف : الوجوه ، والمعروف : الوجه ; لأن الإنسان يعرف به ، قال أبو كبير الهذلي :


                                                          متكورين على المعارف بينهم     ضرب كتعطاط المزاد الأثجل

                                                          والمعراف واحد ، والمعارف : محاسن الوجه وهو من ذلك ، وامرأة حسنة المعارف ، أي : الوجه وما يظهر منها واحدها معرف ، قال الراعي :


                                                          متلفمين على معارفنا     نثني لهن حواشي العصب

                                                          ومعارف الأرض : أوجهها وما عرف منها ، وعريف القوم : سيدهم ، والعريف : القيم والسيد لمعرفته بسياسة القوم ، وبه فسر بعضهم بيت طريف العنبري ، وقد تقدم وقد عرف عليهم يعرف عرافة ، والعريف : النقيب وهو دون الرئيس ، والجمع عرفاء ، تقول منه : عرف فلان بالضم عرافة مثل خطب خطابة ، أي : صار عريفا ، وإذا أردت أنه عمل ذلك قلت : عرف فلان علينا سنين يعرف عرافة مثال كتب يكتب كتابة ، وفي الحديث : العرافة حق والعرفاء في النار ، قال ابن الأثير : العرفاء ، جمع عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ، ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل والعرافة عمله وقوله العرافة حق ، أي : فيها مصلحة للناس ورفق في أمورهم وأحوالهم ، وقوله العرفاء في النار تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة ، فإنه إذا لم يقم بحقه أثم واستحق العقوبة ، ومنه حديث طاوس : أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما : ما معنى قول الناس : أهل القرآن عرفاء أهل الجنة ؟ فقال : رؤساء أهل الجنة ، وقال علقمة بن عبدة :


                                                          بل كل حي وإن عزوا وإن كرموا     عريفهم بأثافي الشر مرجوم

                                                          والعرف بالضم والعرف بالكسر : الصبر ، قال أبو دهبل الجمحي :


                                                          قل لابن قيس أخي الرقيات :     ما أحسن العرف في المصيبات

                                                          وعرف للأمر واعترف : صبر ، قال قيس بن ذريح :


                                                          فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى     ويا حبها قع بالذي أنت واقع

                                                          [ ص: 112 ] والعارف والعروف والعروفة : الصابر ، ونفس عروف : حاملة صبور إذا حملت على أمر احتملته ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          فآبوا بالنساء مردفات     عوارف بعد كن وابتجاح

                                                          أراد أنهن أقررن بالذل بعد النعمة ، ويروى وابتحاح من البحبوحة وهذا رواه ابن الأعرابي ، ويقال : نزلت به مصيبة فوجد صبورا عروفا ، قال الأزهري : ونفسه عارفة بالهاء مثله ، قال عنترة :


                                                          وعلمت أن منيتي إن تأتني     لا ينجني منها الفرار الأسرع
                                                          فصبرت عارفة لذلك حرة     ترسو إذا نفس الجبان تطلع

                                                          . ترسو : تثبت ولا تطلع إلى الخلق كنفس الجبان ، يقول : حبست نفسا عارفة ، أي : صابرة ، ومنه قوله تعالى : وبلغت القلوب الحناجر ، وأنشد ابن بري لمزاحم العقيلي :


                                                          وقفت بها حتى تعالت بي الضحى     ومل الوقوف المبريات العوارف

                                                          . المبريات : التي في أنوفها البرة ، والعوارف : الصبر ، ويقال : اعترف فلان إذا ذل وانقاد ، وأنشد الفراء :


                                                          أتضجرين والمطي معترف

                                                          أي : تعرف وتصبر وذكر ( معترف ) ; لأن لفظ المطي مذكر ، وعرف بذنبه عرفا واعترف : أقر ، وعرف له : أقر ، أنشد ثعلب :


                                                          عرف الحسان لها غليمة     تسعى مع الأتراب في إتب

                                                          وقال أعرابي : ما أعرف لأحد يصرعني ، أي : لا أقر به ، وفي حديث عمر : أطردنا المعترفين هم الذين يقرون على أنفسهم بما يجب عليهم فيه الحد والتعزير ، يقال : أطرده السلطان وطرده إذا أخرجه عن بلده وطرده إذا أبعده ، ويروى : اطردوا المعترفين كأنه كره لهم ذلك ، وأحب أن يستروه على أنفسهم ، والعرف : الاسم من الاعتراف ، ومنه قولهم : له علي ألف عرفا ، أي : اعترافا وهو توكيد ، ويقال : أتيت متنكرا ثم استعرفت ، أي : عرفته من أنا ، قال مزاحم العقيلي :


                                                          فاستعرفا ثم قولا : إن ذا رحم     هيمان كلفنا من شأنكم عسرا
                                                          فإن بغت آية تستعرفان بها     يوما فقولا لها العود الذي اختضرا

                                                          والمعروف : ضد المنكر ، والعرف : ضد النكر ، يقال : أولاه ، عرفا ، أي : معروفا ، والمعروف والعارفة : خلاف النكر ، والعرف والمعروف : الجود ، وقيل : هو اسم ما تبذله وتسديه وحرك الشاعر ثانيه ، فقال :


                                                          إن ابن زيد لا زال مستعملا     للخير يفشي في مصره العرفا

                                                          . والمعروف : كالعرف ، وقوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفا ، أي : مصاحبا معروفا ، قال الزجاج : المعروف هنا ما يستحسن من الأفعال ، وقوله تعالى : وأتمروا بينكم بمعروف ، قيل : في التفسير : المعروف الكسوة والدثار وأن لا يقصر الرجل في نفقة المرأة التي ترضع ولده إذا كانت والدته ; لأن الوالدة أرأف بولدها من غيرها وحق كل واحد منهما أن يأتمر في الولد بمعروف ، وقوله عز وجل : والمرسلات عرفا ، قال بعض المفسرين فيها : إنها أرسلت بالعرف والإحسان ، وقيل : يعني الملائكة أرسلوا للمعروف والإحسان ، والعرف والعارفة والمعروف واحد : ضد النكر ، وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتبسأ به وتطمئن إليه ، وقيل : هي الملائكة أرسلت متتابعة ، يقال : هو مستعار من عرف الفرس ، أي : يتتابعون كعرف الفرس ، وفي حديث كعب بن عجرة : جاؤوا كأنهم عرف ، أي : يتبع بعضهم بعضا ، وقرئت عرفا وعرفا والمعنى واحد ، وقيل : المرسلات هي الرسل ، وقد تكرر ذكر المعروف في الحديث وهو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات ، وهو من الصفات الغالبة ، أي : أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه ، والمعروف : النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس ، والمنكر : ضد ذلك جميعه ، وفي الحديث : أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، أي : من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة ، وقيل : أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معناه ، قال : يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم ، وتبقى حسناتهم جامة فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ، ويدخل الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة ، وقوله أنشده ثعلب :


                                                          وما خير معروف الفتى في شبابه     إذا لم يزده الشيب حين يشيب

                                                          قال ابن سيده : قد يكون من المعروف الذي هو ضد المنكر ومن المعروف الذي هو الجود ، ويقال للرجل إذا ولى عنك بوده : قد هاجت معارف فلان ، ومعارفه : ما كنت تعرفه من ضنه بك ، ومعنى هاجت ، أي : يبست ، كما يهيج النبات إذا يبس ، والعرف : الريح طيبة كانت أو خبيثة ، يقال : ما أطيب عرفه ، وفي المثل : لا يعجز مسك السوء عن عرف السوء ، قال ابن سيده : العرف الرائحة الطيبة والمنتنة ، قال :


                                                          ثناء كعرف الطيب يهدى لأهله     وليس له إلا بني خالد أهل

                                                          وقال البريق الهذلي في النتن :


                                                          فلعمر عرفك ذي الصماح كما     عصب السفار بغضبة اللهم

                                                          . وعرفه : طيبه وزينه ، والتعريف : التطييب من العرف ، وقوله تعالى : [ ص: 113 ] ويدخلهم الجنة عرفها لهم ، أي : طيبها ، قال الشاعر يمدح رجلا :


                                                          عرفت كإتب عرفته اللطائم

                                                          . يقول : كما عرف الإتب ، وهو البقير ، قال الفراء : يعرفون منازلهم إذا دخلوها حتى يكون أحدهم أعرف بمنزله إذا رجع من الجمعة إلى أهله ، قال الأزهري : هذا قول جماعة من المفسرين ، وقد قال بعض اللغويين : ( عرفها لهم ) أي : طيبها ، يقال : طعام معرف ، أي : مطيب ، قال الأصمعي في قول الأسود بن يعفر يهجو عقال بن محمد بن سفين :


                                                          فتدخل أيد في حناجر أقنعت     لعادتها من الخزير المعرف

                                                          . قال : أقنعت ، أي : مدت ورفعت للفم ، قال : وقال بعضهم في قوله ( تعالى ) : عرفها لهم ، قال : هو وضعك الطعام بعضه على بعض ، ابن الأعرابي : عرف الرجل : إذا أكثر من الطيب ، وعرف : إذا ترك الطيب ، وفي الحديث : من فعل كذا وكذا لم يجد عرف الجنة ، أي : ريحها الطيبة ، وفي حديث علي رضي الله عنه : حبذا أرض الكوفة أرض سواء سهلة معروفة ، أي : طيبة العرف ، فأما الذي ورد في الحديث : تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، فإن معناه : اجعله يعرفك بطاعته والعمل فيما أولاك من نعمته ، فإنه يجازيك عند الشدة والحاجة إليه في الدنيا والآخرة ، وعرف طعامه : أكثر أدمه ، وعرف رأسه بالدهن : رواه ، وطار القطا عرفا عرفا : بعضها خلف بعض ، وعرف الديك والفرس والدابة وغيرها : منبت الشعر والريش من العنق ، واستعمله الأصمعي في الإنسان فقال : جاء فلان مبرئلا للشر ، أي : نافشا عرفه ، والجمع أعراف وعروف ، والمعرفة بالفتح : منبت عرف الفرس من الناصية إلى المنسج ، وقيل : هو اللحم الذي ينبت عليه العرف ، وأعرف الفرس : طال عرفه واعرورف : صار ذا عرف ، وعرفت الفرس : جززت عرفه ، وفي حديث ابن جبير : ما أكلت لحما أطيب من معرفة البرذون ، أي : منبت عرفه من رقبته ، وسنام أعرف : طويل ذو عرف ، قال يزيد بن الأعور الشني :


                                                          مستحملا أعرف قد تبنى

                                                          .

                                                          وناقة عرفاء : مشرفة السنام ، وناقة عرفاء : إذا كانت مذكرة تشبه الجمال ، وقيل لها : عرفاء ؛ لطول عرفها ، والضبع يقال لها عرفاء لطول عرفها وكثرة شعرها ، وأنشد ابن بري للشنفرى :


                                                          ولي دونكم أهلون سيد عملس     وأرقط زهلول وعرفاء جيأل

                                                          .

                                                          وقال الكميت :


                                                          لها راعيا سوء مضيعان منهما     أبو جعدة العادي وعرفاء جيأل

                                                          . وضبع عرفاء : ذات عرف ، وقيل : كثيرة شعر العرف ، وشيء أعرف : له عرف ، واعرورف البحر والسيل : تراكم موجه وارتفع فصار له كالعرف ، واعرورف الدم : إذا صار له من الزبد شبه العرف ، قال الهذلي يصف طعنة فارت بدم غالب :


                                                          مستنة سنن الفلو مرشة     تنفي التراب بقاحز معرورف

                                                          . واعرورف فلان للشر كقولك اجثأل وتشذر ، أي : تهيأ ، وعرف الرمل والجبل وكل عال : ظهره وأعاليه ، والجمع أعراف وعرفة ، وقوله تعالى : وعلى الأعراف رجال ، الأعراف في اللغة : جمع عرف ، وهو كل عال مرتفع ، قال الزجاج : الأعراف أعالي السور ، قال بعض المفسرين : الأعراف أعالي سور بين أهل الجنة وأهل النار ، واختلف في أصحاب الأعراف ، فقيل : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فلم يستحقوا الجنة بالحسنات ولا النار بالسيئات ، فكانوا على الحجاب الذي بين الجنة والنار ، قال : ويجوز أن يكون معناه والله أعلم : على الأعراف على معرفة أهل الجنة وأهل النار هؤلاء الرجال ، فقال قوم ما ذكرنا ، وإن الله تعالى يدخلهم الجنة ، وقيل : أصحاب الأعراف أنبياء ، وقيل : ملائكة ، ومعرفتهم كلا بسيماهم يعرفون أصحاب الجنة بأن سيماهم إسفار الوجوه والضحك والاستبشار ، كما قال تعالى : وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ، ويعرفون أصحاب النار بسيماهم وسيماهم سواد الوجوه وغبرتها ، كما قال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وقال : ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ، قال أبو إسحاق : ويجوز أن يكون جمعه على الأعراف على أهل الجنة وأهل النار ، وجبل أعرف : له كالعرف ، وعرف الأرض : ما ارتفع منها ، والجمع أعراف ، وأعراف الرياح والسحاب : أوائلها وأعاليها ، واحدها عرف ، وحزن أعرف : مرتفع ، والأعراف : الحرث الذي يكون على الفلجان والقوائد ، والعرفة : قرحة تخرج في بياض الكف ، وقد عرف وهو معروف : أصابته العرفة ، والعرف : شجر الأترج ، والعرف : النخل إذا بلغ الإطعام ، وقيل : النخلة أول ما تطعم ، والعرف والعرف : ضرب من النخل بالبحرين ، والأعراف : ضرب من النخل أيضا وهو البرشوم ، وأنشد بعضهم :


                                                          نغرس فيها الزاد والأعرافا     والنائحي مسدفا إسدافا

                                                          .

                                                          وقال أبو عمرو : إذا كانت النخلة باكورا فهي عرف ، والعرف : نبت ليس بحمض ولا عضاه وهو الثمام ، والعرفان والعرفان : دويبة صغيرة تكون في الرمل رمل عالج أو رمال الدهناء ، وقال أبو حنيفة : العرفان جندب ضخم مثل الجرادة له عرف ولا يكون إلا في رمثة أو عنظوانة ، وعرفان : جبل ، وعرفان والعرفان : اسم ، وعرفة وعرفات : موضع بمكة ، معرفة كأنهم جعلوا كل موضع منها عرفة ، ويوم عرفة غير منون ، ولا يقال العرفة ولا تدخله الألف واللام ، قال سيبويه : عرفات مصروفة في كتاب الله تعالى وهي معرفة ، والدليل على ذلك قول العرب : هذه عرفات مباركا فيها وهذه عرفات حسنة ، قال : ويدلك على معرفتها أنك لا تدخل فيها ألفا ولاما ، وإنما عرفات بمنزلة أبانين وبمنزلة جمع ، ولو كانت عرفات نكرة لكانت إذا عرفات في غير موضع ، قيل : سمي عرفة ; لأن الناس يتعارفون به ، وقيل : سمي عرفة ; لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم عليه السلام فكان يريه المشاهد فيقول له : أعرفت أعرفت ؟ فيقول إبراهيم : [ ص: 114 ] عرفت عرفت ، وقيل : لأن آدم صلى الله على نبينا وعليه وسلم لما هبط من الجنة ، وكان من فراقه حواء ما كان فلقيها في ذلك الموضع عرفها وعرفته ، والتعريف : الوقوف بعرفات ، ومنه قول ابن دريد :


                                                          ثم أتى التعريف يقرو مخبتا

                                                          . تقديره : ثم أتى موضع التعريف فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وعرف القوم : وقفوا بعرفة ، قال أوس بن مغراء :


                                                          ولا يريمون للتعريف موقفهم     حتى يقال أجيزوا آل صفوانا

                                                          . وهو المعرف للموقف بعرفات ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ثم محلها إلى البيت العتيق ، وذلك بعد المعرف يريد بعد الوقوف بعرفة ، والمعرف في الأصل : موضع التعريف ويكون بمعنى المفعول ، قال الجوهري : وعرفات موضع بمنى ، وهو اسم في لفظ الجمع فلا يجمع ، قال الفراء : ولا واحد له بصحة ، وقول الناس : نزلنا بعرفة شبيه بمولد وليس بعربي محض وهي معرفة وإن كان جمعا ; لأن الأماكن لا تزول فصار كالشيء الواحد وخالف الزيدين ، تقول : هؤلاء عرفات حسنة تنصب النعت ; لأنه نكرة وهي مصروفة ، قال الله تعالى : فإذا أفضتم من عرفات ، قال الأخفش : إنما صرفت ; لأن التاء صارت بمنزلة الياء والواو في مسلمين ومسلمون ; لأنه تذكيره وصار التنوين بمنزلة النون ، فلما سمي به ترك على حاله كما ترك مسلمون إذا سمي به على حاله ، وكذلك القول في أذرعات وعانات وعريتنات ، والعرف : مواضع منها عرفة ساق وعرفة الأملح وعرفة صارة ، والعرف : موضع ، وقيل : جبل ، قال الكميت :


                                                          أهاجك بالعرف المنزل     وما أنت والطلل المحول ؟

                                                          واستشهد الجوهري بهذا البيت على قوله العرف ، والعرف : الرمل المرتفع ، قال : وهو مثل عسر وعسر ، وكذلك العرفة ، والجمع عرف وأعراف ، والعرفتان : ببلاد بني أسد ، وأما قوله أنشده يعقوب في البدل :


                                                          وما كنت ممن عرف الشر بينهم     ولا حين جد الجد ممن تغيبا

                                                          . فليس عرف فيه من هذا الباب إنما أراد أرث ، فأبدل الألف لمكان الهمزة عينا وأبدل الثاء فاء ، ومعروف : اسم فرس الزبير بن العوام شهد عليه حنينا ، ومعروف أيضا : اسم فرس سلمة بن هند الغاضري من بني أسد ، وفيه يقول :


                                                          أكفئ معروفا عليهم كأنه     إذا ازور من وقع الأسنة أحرد

                                                          . ومعروف : واد لهم ، أنشد أبو حنيفة :


                                                          وحتى سرت بعد الكرى في لويه     أساريع معروف وصرت جنادبه

                                                          . وذكر في ترجمة عزف : أن جاريتين كانتا تغنيان بما تعازفت الأنصار يوم بعاث ، قال : وتروى بالراء المهملة ، أي : تفاخرت .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية