الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جديرا بالقبول [ ص: 449 ] لما لهم من الجلالة والحلاوة والبيان والرونق والظهور في الفلاح، أكدوا قولهم: لا تذرن آلهتكم أي لا تتركنها على حالة من الحالات لا قبيحة ولا حسنة، وأضافوها إليهم تحسبا فيها، ثم خصوا بالتسمية زيادة في الحث وتصريحا بالمقصود فقالوا مكررين النهي والعامل تأكيدا: ولا تذرن ولعلهم كانوا يوافقون العرب في أن الود هو الحب الكثير، فناسب المقام بذاتهم بقوله: ودا وأعادوا النافي تأكيدا فقالوا: ولا سواعا وأكدوا هذا التأكيد وأبلغوا فيه فقالوا: ولا يغوث ولما بلغ التأكيد نهاية وعلم أن المقصود النهي عن كل فرد فرد لا عن المجموع بقيد الجمع أعروا فقالوا: ويعوق ونسرا معرى عن التأكيد للعلم بإرادته، وكان هؤلاء ناسا صالحين، فلما ماتوا حزن عليهم الناس ثم زين لهم إبليس تصويرهم تشويقا إلى العمل بطرائقهم الحسنة فصوروهم، فلما تمادى الزمان زين لهم عبادتهم لتحصيل المنافع الدنيوية ببركاتهم ثم نسي القوم الصالحون، وجعلوا أصناما آلهة من دون الله، وكانت عبادة هؤلاء أول عبادة الأوثان فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحا عليه [ ص: 450 ] الصلاة والسلام للنهي عن ذلك إلى أن كان من أمره وأمر قومه ما هو معلوم، ثم أخرج إبليس هذه الأصنام بعد الطوفان فوصل شرها إلى العرب، فكان ود لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير لآل ذي الكلاع، وقيل غير ذلك - والله أعلم قال البغوي : سواع لهذيل ويغوث لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عن سبأ ويعوق لهمذان. قال أبو حيان : قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل أجرد، يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم المنزل، فينزلون حوله ويضربون عليه بناء، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب وصول شر تلك الأوثان إلى العرب أنها دفنها الطوفان ثم أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف، والعزى [ ص: 451 ] لسليم وغطفان وجشيم، ومنات بديد لهذيل، وإساف ونايلة وهبل لأهل مكة، وكان إساف حيال الحجر الأسود ، ونايلة حيال الركن اليماني، وكان هبل في جوف الكعبة - انتهى، وقال الواقدي : ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، [ و-] يغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يعارض [ هذا -] أنهم صور لناس صالحين لأن تصويرهم لهم يمكن أن يكون منتزعا من معانيهم، فكأن ودا كان أكملهم في الرجولية، وكانت سواع امرأة كاملة في العبادة، وكان يغوث شجاعا، ويعوق كان سباقا قويا، وكان نسر عظيما طويل العمر - والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية