الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          535 - مسألة : ومن لم يدرك مع الإمام من صلاة الجمعة إلا ركعة واحدة ، أو الجلوس فقط فليدخل معه وليقض إذا أدرك ركعة واحدة وإن لم يدرك إلا الجلوس صلى ركعتين فقط .

                                                                                                                                                                                          وبه قال أبو حنيفة ، وأبو سليمان .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك والشافعي : إن أدرك ركعة قضى إليها أخرى ، فإن لم يدرك إلا رفع الرأس من الركعة فما بعده صلى أربعا .

                                                                                                                                                                                          وقال عطاء ، وطاوس ، ومجاهد - ورويناه أيضا عن عمر بن الخطاب : من لم يدرك شيئا من الخطبة صلى أربعا .

                                                                                                                                                                                          واحتج من ذهب إلى هذا بأن الخطبة جعلت بإزاء الركعتين ، فيلزم من قال بهذا : أن من فاتته الخطبة الأولى وأدرك الثانية أن يقضي ركعة واحدة ، مع أن هذا القول لم يأت به نص قرآن ولا سنة ؟

                                                                                                                                                                                          واحتج مالك ، والشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك مع الإمام ركعة واحدة فقد أدرك الصلاة } . [ ص: 284 ]

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا خبر صحيح ، وليس فيه : أن من أدرك أقل من ركعة لم يدرك الصلاة ؟

                                                                                                                                                                                          بل قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا إسحاق بن إسماعيل النضري ثنا عيسى بن حبيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا جدي محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وأنتم تمشون ، عليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : { بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } .

                                                                                                                                                                                          فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يصلي مع الإمام ما أدرك ، وعم عليه السلام ولم يخص ، وسماه مدركا لما أدرك من الصلاة ، فمن وجد الإمام جالسا ، أو ساجدا ، فإن عليه أن يصير معه في تلك الحال ويلتزم إمامته ، ويكون بذلك بلا شك داخلا في صلاة الجماعة ، فإنما يقضي ما فاته ويتم تلك الصلاة ، ولم تفته إلا ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان فلا تصلى إلا ركعتين .

                                                                                                                                                                                          وهذان الخبران زائدان على الذي فيه " من أدرك ركعة " والزيادة لا يجوز تركها - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يدرك الإمام يوم الجمعة وهم جلوس ؟ قال : يصلي ركعتين ، قال شعبة : فقلنا له : ما قال هذا عن إبراهيم [ ص: 285 ] إلا حماد ؟ قال الحكم : ومن مثل حماد ؟ وعن معمر عن حماد بن أبي سليمان قال : إن أدركهم جلوسا في آخر الصلاة يوم الجمعة صلى ركعتين ؟ قال أبو محمد : إلا أن الحنفيين قد تناقضوا ههنا ، لأن من أصولهم - التي جعلوها دينا - أن قول الصاحب الذي يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف فإنه لا يحل خلافه ؟ وقد روينا عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : إذا أدرك الرجل ركعة يوم الجمعة صلى إليها أخرى ، وإن وجد القوم جلوسا صلى أربعا ؟ وعن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود : من أدرك الركعة فقد أدرك الجمعة ، ومن لم يدرك الركعة فليصل أربعا .

                                                                                                                                                                                          ولا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف .

                                                                                                                                                                                          نعم ، وقد رويت فيه آثار - ليست بأضعف من حديث الوضوء بالنبيذ ، والوضوء من القهقهة في الصلاة ، والوضوء والبناء من الرعاف والقيء ، فخالفوها إذ خالفها أبو حنيفة - من طريق الحجاج بن أرطاة من طريق ابن عمر ، ومن طريق غيره عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مسندين وهذا مما تناقضوا فيه ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وأما نحن فلا حجة عندنا في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صح في هذا أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا به ولم نتعده

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية