الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أجوبة أدلة القائلين بتغاير الإيمان والإسلام

* وأما ما احتجوا به مما روي في بعض الحديث في الزاني أنه يخرج من الإيمان ، وينزع منه الإيمان ، ونحو ذلك ، فقد روينا [ ص: 536 ] عن ابن عباس أنه قال : ينزع منه نور الإيمان ، ونور الإيمان ليس هو كل الإيمان ، فإنما أراد بقوله : " ينزع منه الإيمان " بعض الإيمان لا كل الإيمان حتى لا يبقى فيه شيء من الإيمان ، فلو كان كذلك لكان كافرا ، إذ زال عنه اسم الإيمان بأسره ، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل : " أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان " ، لأن من دخل النار ، فقد لقي الله بالكبائر ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في قلوبهم أجزاء من الإيمان ، استحقوا بذلك اسم الإيمان ، ووجب لهم عليه الثواب ، لولا ذلك ما دخلوا الجنة ، لأنه لا يدخل الجنة من البالغين العاقلين من ليس بمؤمن ، لأن الله عز وجل قال في كتابه : ( وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة " ، وفي بعض الحديث : " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة " ، وليس ذلك بمتناقض ، ولا مختلف ، لأن معناهما واحد ، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان ، فيدخله الجنة ، علمنا أنه لم يدخله الجنة إلا وهو مسلم مؤمن .

قالوا : ومما يدل على بطلان قول من خالفنا ، ففرق بين الإيمان والإسلام ، وتحقيق قولنا : أنا وجدنا الله عز وجل افترض الفرائض ، وأحل الحلال ، وحرم الحرام ، ووضع الأحكام ، والحدود بين المسلمين على اسم الإيمان ، لا على اسم الإسلام ، فزعم هؤلاء أن من أتى كبيرة ، فهو خارج [ ص: 537 ] من الإيمان ، وليس بمؤمن ، ثم حكموا عليه ، وله بأحكام المؤمنين ، ولو كان الأمر كما قالوا فيمن أتى كبيرة للزم إسقاط عامة الفرائض ، والأحكام ، والحدود التي أوجبها على المؤمنين عن من أتى كبيرة ، لأن اسم الإيمان قد زال عنه ، وفي ذلك خروج من أحكام الكتاب ، ومما أجمعت عليه الأمة .

فإن قالوا : إنما أجرينا عليه أحكام المؤمنين ، لأنه مسلم عندنا ، وإن لم يكن مؤمنا .

قيل لهم : فإنما أوجب الله عز وجل الفرائض ، والحلال ، والحرام على المؤمنين باسم الإيمان لا باسم الإسلام ، قال الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) الآية .

وقال : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) .

وقال : ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) .

وقال : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .

وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) . [ ص: 538 ]

و ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، ومما أخرجنا لكم من الأرض ) الآية .

و ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) .

وقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) .

و ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) .

و ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) .

وقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) .

( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) .

وقال : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) إلى قوله : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) .

وقال : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية