الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عزب ]

                                                          عزب : رجل عزب ومعزابة : لا أهل له ، ونظيره : مطرابة ، ومطواعة ، ومجذامة ، ومقدامة . وامرأة عزبة وعزب : لا زوج لها ، قال الشاعر في صفة امرأة :


                                                          إذا العزب الهوجاء بالعطر نافحت بدت شمس دجن طلة ما تعطر

                                                          وقال الراجز :


                                                          يا من يدل عزبا على عزب     على ابنة الحمارس الشيخ الأزب

                                                          قوله : الشيخ الأزب أي الكريه الذي لا يدنى من حرمته . ورجلان عزبان ، والجمع أعزاب . والعزاب : الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء . وقد عزب يعزب عزوبة فهو عازب ، وجمعه عزاب . والاسم العزبة والعزوبة ، ولا يقال : رجل أعزب ، وأجازه بعضهم . ويقال : إنه لعزب لزب ، وإنها لعزبة لزبة . والعزب اسم للجمع ، كخادم وخدم ، ورائح وروح ، وكذلك العزيب اسم للجمع كالغزي . وتعزب بعد التأهل ، وتعزب فلان زمانا ثم تأهل ، وتعزب الرجل : ترك النكاح ، وكذلك المرأة . والمعزابة : الذي طالت عزوبته حتى ما له في الأهل من حاجة ، قال : وليس في الصفات مفعالة غير هذه الكلمة . قال الفراء : ما كان من مفعال كان مؤنثه بغير هاء ; لأنه انعدل عن النعوت انعدالا أشد من صبور وشكور ، وما أشبههما مما لا يؤنث ; ولأنه شبه بالمصادر لدخول الهاء فيه ، يقال : امرأة محماق ومذكار ومعطار . قال : وقد قيل : رجل مجذامة ، إذا كان قاطعا للأمور ، جاء على غير قياس ، وإنما زادوا فيه الهاء لأن العرب تدخل الهاء في المذكر على جهتين : إحداهما المدح والأخرى الذم ، إذا بولغ في الوصف .

                                                          قال الأزهري : والمعزابة دخلتها الهاء للمبالغة أيضا ، وهو عندي الرجل الذي يكثر النهوض في ماله العزيب ، يتتبع مساقط الغيث وأنف الكلإ ، وهو مدح بالغ على هذا المعنى . والمعزابة : الرجل يعزب بماشيته عن الناس في المرعى . وفي الحديث : أنه بعث بعثا فأصبحوا بأرض عزوبة بجراء أي بأرض بعيدة المرعى قليلته ، والهاء فيها للمبالغة ، مثلها في فروقة وملولة . وعازبة الرجل ، ومعزبته ، وربضه ، ومحصنته ، وحاصنته ، وحاضنته ، وقابلته ، ولحافه : امرأته .

                                                          وعزبته تعزبه ، وعزبته : قامت بأموره . قال ثعلب : ولا تكون المعزبة إلا غريبة ، قال الأزهري : ومعزبة الرجل : امرأته يأوي إليها ، فتقوم بإصلاح طعامه ، وحفظ أداته . ويقال : ما لفلان معزبة تقعده . ويقال : ليس لفلان امرأة تعزبه ، أي تذهب عزوبته بالنكاح ، مثل قولك : هي تمرضه أي تقوم عليه في مرضه . وفي نوادر الأعراب : فلان يعزب فلانا ، ويربضه ، ويربضه : يكون له مثل الخازن . وأعزب عنه حلمه ، وعزب عنه يعزب عزوبا : ذهب . وأعزبه الله : أذهبه . وقوله تعالى : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض معناه لا يغيب عن علمه شيء . وفيه لغتان : عزب يعزب ، ويعزب إذا غاب ، وأنشد :


                                                          وأعزبت حلمي بعدما كان أعزبا

                                                          جعل أعزب لازما وواقعا ، ومثله : أملق الرجل ، إذا أعدم ، وأملق ماله الحوادث . والعازب من الكلإ : البعيد المطلب ، وأنشد :


                                                          وعازب نور في خلائه

                                                          ، والمعزب : طالب الكلإ . وكلأ عازب : لم يرع قط ، ولا وطئ . وأعزب القوم إذا أصابوا كلأ عازبا . وعزب عني فلان ، يعزب ويعزب عزوبا : غاب وبعد . وقالوا : رجل عزب للذي يعزب في الأرض . وفي حديث أبي ذر : كنت أعزب عن الماء . أي أبعد ، وفي حديث عاتكة :


                                                          فهن هواء والحلوم عوازب

                                                          جمع عازب ، أي أنها خالية بعيدة العقول . وفي حديث ابن الأكوع لما أقام بالربذة ، قال له الحجاج : ارتددت على عقبيك ، تعزبت . قال : لا ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لي في البدو . وأراد : بعدت عن الجماعات والجمعات بسكنى البادية ، ويروى بالراء . وفي الحديث : كما تتراءون الكوكب العازب في الأفق هكذا جاء في رواية ، أي البعيد . والمعروف الغارب ، بالغين المعجمة والراء ، والغابر ، بالباء الموحدة .

                                                          وعزبت الإبل : أبعدت في المرعى لا تروح . وأعزبها صاحبها ، وعزب إبله ، وأعزبها : بيتها في المرعى ولم يرحها . وفي حديث أبي بكر : كان له غنم فأمر عامر بن فهيرة أن يعزب بها أي يبعد بها في المرعى . ويروى " يعزب " بالتشديد ، أي يذهب بها إلى عازب من الكلإ . وتعزب هو : بات معها . وأعزب القوم فهم معزبون ، أي عزبت إبلهم . وعزب الرجل بإبله ، إذا رعاها بعيدا من الدار التي حل بها الحي ، لا يأوي إليهم ، وهو معزاب ومعزابة ، وكل منفرد عزب . وفي الحديث : أنهم كانوا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع مناديا ، فقال : انظروه ، تجدوه معزبا أو مكلئا قال : هو الذي عزب عن أهله في إبله ، أي غاب . والعزيب : المال العازب عن الحي ، قال الأزهري : سمعته من العرب . ومن أمثالهم : إنما اشتريت الغنم حذار العازبة ، والعازبة الإبل . قاله رجل كانت له إبل ، فباعها واشترى غنما ; لئلا تعزب عنه ، فعزبت غنمه ، فعاتب على عزوبها ، يقال ذلك لمن ترفق أهون الأمور مئونة ، فلزمه فيه مشقة [ ص: 133 ] لم يحتسبها . والعزيب من الإبل والشاء : التي تعزب عن أهلها في المرعى ، قال :


                                                          وما أهل العمود لنا بأهل     ولا النعم العزيب لنا بمال

                                                          وفي حديث أم معبد : والشاء عازب حيال أي بعيدة المرعى ، لا تأوي إلى المنزل إلا في الليل . والحيال : جمع حائل ، وهي التي لم تحمل . وإبل عزيب : لا تروح على الحي ، وهو جمع عازب ، مثل غاز وغزي . وسوام معزب ، بالتشديد ، إذا عزب به عن الدار . والمعزاب من الرجال : الذي تعزب عن أهله في ماله ، قال أبو ذؤيب :


                                                          إذا الهدف المعزاب صوب رأسه     وأعجبه ضفو من الثلة الخطل

                                                          وهراوة الأعزاب : هراوة الذين يبعدون بإبلهم في المرعى ، ويشبه بها الفرس . قال الأزهري : وهراوة الأعزاب فرس كانت مشهورة في الجاهلية ، ذكرها لبيد وغيره من قدماء الشعراء . وفي الحديث : من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب أي بعد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته . وعزب يعزب فهو عازب : أبعد . وعزب طهر المرأة ، إذا غاب عنها زوجها ، قال النابغة الذبياني :


                                                          شعب العلافيات بين فروجهم     والمحصنات عوازب الأطهار

                                                          العلافيات : رحال منسوبة إلى علاف ، رجل من قضاعة كان يصنعها . والفروج : جمع فرج ، وهو ما بين الرجلين . يريد أنهم آثروا الغزو على أطهار نسائهم . وعزبت الأرض إذا لم يكن بها أحد ، مخصبة كانت أو مجدبة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية