الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا .

قوله : ولا تقتلوا أنفسكم نهي عن أن يقتل الرجل غيره ، فالضميران فيه على التوزيع ، إذ قد علم أن أحدا لا يقتل نفسه فينهى عن ذلك ، وقتل الرجل نفسه داخل في النهي ، لأن الله لم يبح للإنسان إتلاف نفسه كما أباح له صرف ماله ، أما أن يكون المراد هنا خصوص النهي عن قتل المرء نفسه فلا . وأما ما في مسند أبي داود : أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - تيمم في يوم شديد البرد ولم يغتسل ، وذلك في غزوة ذات السلاسل وصلى بالناس ، وبلغ ذلك رسول الله ، فسأله وقال : يا رسول الله إن الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم ، فلم ينكر عليه النبيء - صلى الله عليه وسلم - فذلك من الاحتجاج بعموم ضمير " تقتلوا " دون خصوص السبب .

وقوله : ومن يفعل ذلك أي المذكور : من أكل المال بالباطل والقتل . وقيل : الإشارة إلى ما ذكر من قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها لأن ذلك كله لم يرد بعده وعيد ، وورد وعيد قبله ، قاله الطبري ، وإنما قيده بالعدوان والظلم ليخرج أكل المال بوجه الحق ، وقتل النفس كذلك ، كقتل القاتل ، وفي الحديث فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها .

والعدوان بضم العين مصدر بوزن كفران ، ويقال بكسر العين وهو التسلط بشدة ، فقد يكون بظلم غالبا ، ويكون بحق ، قال تعالى : فلا عدوان إلا على الظالمين وعطف قوله " وظلما " على " عدوانا " من عطف الخاص على العام .

و ( سوف ) حرف يدخل على المضارع فيمحضه للزمن المستقبل ، وهو مرادف للسين على الأصح ، وقال بعض النحاة : ( سوف ) تدل على مستقبل بعيد وسماه : التسويف ، وليس في [ ص: 26 ] الاستعمال ما يشهد لهذا ، وقد تقدم عند قوله : وسيصلون سعيرا في هذه السورة . و ( نصليه ) نجعله صاليا أو محترقا ، وقد مضى فعل صلي أيضا ، ووجه نصب " نارا " هنالك ، والآية دلت على كليتين من كليات الشريعة : وهما حفظ الأموال وحفظ الأنفس ، من قسم المناسب الضروري .

التالي السابق


الخدمات العلمية