الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم .

وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ، ويثني عليهم كما أثنى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به كان من أهل الحق وعصابة السنة وفارق رهط الضلال وحزب البدعة .

فنسأل الله كمال اليقين وحسن الثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى .

التالي السابق


ولما فرغ المصنف من ذكر السمعيات شرع في ذكر لواحق المعتقد، فقال: (وأن يعتقد فضل الصحابة -رضي الله عنهم- ورتبتهم) ودرجاتهم ومنازلهم، فيعطي كلا منهم ما يستحقه من التعظيم .

(و) يعتقد (أن أفضل الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر) الصديق (ثم عمر) ، ابن الخطاب (ثم عثمان) ، ابن عفان (ثم علي) ، ابن أبي طالب (رضي الله عنهم) ، هكذا ترتيب أفضليتهم على ترتيب خلافتهم، هكذا أجمع عليه أهل السنة؛ إذ المسلمون كانوا لا يقدمون أحدا في الإمامة تشهيا منهم، وإنما يقدمونه لاعتقادهم أنه أفضل وأصلح للأمة من غيره، وفي [ ص: 42 ] البخاري من حديث ابن عمر قال: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان"، ولأبي داود: "كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي: أفضل أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان"، زاد الطبراني: "ويسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره".

(وأن يحسن الظن بجميع الصحابة، ويثني عليهم كما أثنى الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عليهم أجمعين) أما ثناء الله عز وجل عليهم بعمومهم وخصوصهم ففي آي من القرآن، وشهدت نصوصه بعدالتهم والرضا عنهم ببيعة الرضوان، وكانوا حينئذ أكثر من ألف وسبعمئة، وعلى المهاجرين والأنصار خاصة، بقوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، وقوله تعالى: للفقراء المهاجرين ، الآيات، وعند الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل: "الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي"، وللشيخين من حديث أبي سعيد: "لا تسبوا أصحابي"، وللطبراني من حديث ابن مسعود: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا"، ومناقب الصحابة وفضائلهم عديدة، وحقيق على المتدين أن يستصحب لهم ما كانوا عليه في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن نقلت هناة فليتدبر العاقل النقل وطريقه؛ فإن ضعف رده، وإن ظهر وكان آحادا لم يقدح فيما علم تواترا وشهدت به النصوص (فكل ذلك) أي: مما ذكره من قواعد العقائد (ما وردت به الأخبار) من روايات الأئمة الكبار (وشهدت به) أي: بصحته (الآثار) من السلف الأخيار (فمن اعتقد جميع ذلك) جملة وتفصيلا (موقنا به) معتمدا عليه (كان من أهل الحق) وهو عبارة عن كل ما يحسن اعتقاده؛ فالمعنى: كان من الذين حسنت عقائدهم .

(وعصابة السنة) أي: جماعتها، والسنة طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وطريقة أصحابه، (وفارق رهط الضلال) الرهط: ما دون العشرة من الرجال، وقيل: من سبعة إلى عشرة، وقيل: إلى أربعين، والضلال عن الطريق المستقيم، وتضاده الهداية (وحزب البدعة) أي: أنصارها، والبدعة الفعلية: المخالفة للسنة، والمراد بالحزب الجماعة، فيكون بحذف مضاف، أي: جماعة أهل البدعة، والمراد بهم فرق الضلال المبتدعة، كالمعتزلة والخوارج والكرامية والروافض بأنواعها وأقسامها (فنسأل الله) سبحانه وتعالى من فضله (كمال اليقين) في مراتب الإيمان والإحسان (والثبات في الدين) والمراد: في العقائد المتعلقة بالدين، ونسأل ذلك كذلك (لكافة المسلمين) وعامتهم؛ (إنه) جل وعز (أرحم الراحمين) يجيب دعوة الداعين (وصلى الله على سيدنا) ومولانا وهادينا (محمد وعلى آله وعلى كل عبد مصطفى) هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها انتهاء الكلام إلى قوله: "أرحم الراحمين"، فتكون هذه الجملة من زيادة النساخ، وقد جرت العادة في الختم به تبركا، والله أعلم .

وهذا آخر شرح كتاب قواعد العقائد، فرغت من تحريره بعد صلاة الظهر من يوم الخميس، لليلتين بقيتا من ربيع الأول سنة 1193 بمنزلي بسويقة "لالا" من مصر، اللهم يسر لنا إتمام ما بقي .

قال مؤلفه: وكتبه العبد المقصر المذنب أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني، غفر الله له بمنه وكرمه، حامدا لله ومصليا ومسلما ومستغفرا. انتهى .




الخدمات العلمية