الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عزا ]

                                                          عزا : العزاء : الصبر عن كل ما فقدت ، وقيل : حسنه عزي يعزى عزاء - ممدود - فهو عز ، ويقال : إنه لعزي صبور إذا كان حسن العزاء على المصائب ، وعزاه تعزية - على الحذف والعوض - فتعزى قال سيبويه : لا يجوز غير ذلك . قال أبو زيد : الإتمام أكثر في لسان العرب ، يعني التفعيل من هذا النحو ، وإنما ذكرت هذا ليعلم طريق القياس فيه ، وقيل : عزيته من باب تظنيت ، وقد ذكر تعليله في موضعه ، وتقول : عزيت فلانا أعزيه تعزية ، أي أسيته وضربت له الأسى ، وأمرته بالعزاء فتعزى تعزيا ، أي تصبر تصبرا . وتعازى القوم : عزى بعضهم بعضا - عن ابن جني . والتعزوة : العزاء - حكاه ابن جني عن أبي زيد - اسم لا مصدر ; لأن تفعلة ليست من أبنية المصادر ، والواو هاهنا ياء ، وإنما انقلبت للضمة قبلها كما قالوا الفتوة . وعزا الرجل إلى أبيه عزوا : نسبه ، وإنه لحسن العزوة . قال ابن سيده : وعزاه إلى أبيه عزيا نسبه ، وإنه لحسن العزية - عن اللحياني . يقال : عزوته إلى أبيه وعزيته ، قال الجوهري : والاسم العزاء . وعزا فلان نفسه إلى بني فلان يعزوها عزوا وعزا واعتزى وتعزى ، كله : انتسب ، صدقا كان أو كذبا ، وانتمى إليهم مثله ، والاسم العزوة والنموة ، وهي بالياء أيضا . والاعتزاء : الادعاء والشعار في الحرب منه . والاعتزاء : الانتماء . ويقال : إلى من تعزي هذا الحديث ؟ أي : إلى من تنميه . قال ابن جريج : حدث عطاء بحديث فقيل له : إلى من تعزيه ؟ أي : إلى من تسنده ، وفي رواية : فقلت له : أتعزيه إلى أحد ؟ وفي الحديث : من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا قوله تعزى ، أي انتسب وانتمى . يقال : عزيت الشيء وعزوته أعزيه وأعزوه ، إذا أسندته إلى أحد ، ومعنى قوله : ولا تكنوا ، أي قولوا له : اعضض بأير أبيك ، ولا تكنوا عن الأير بالهن . والعزاء والعزوة : اسم لدعوى المستغيث ، وهو أن يقول : يا لفلان ، أو يا للأنصار ، أو يا للمهاجرين ، قال الراعي :


                                                          فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر

                                                          وقول بشر بن أبي خازم :


                                                          نعلو القوانس بالسيوف ونعتزي     والخيل مشعرة النحور من الدم

                                                          وفي الحديث : من لم يتعز بعزاء الله فليس منا أي : من لم يدع بدعوى الإسلام فيقول : يا لله أو يا للإسلام أو يا للمسلمين ! وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال : يا لله للمسلمين ! قال الأزهري : له وجهان : أحدهما أن لا يتعزى بعزاء الجاهلية ودعوى القبائل ، ولكن يقول : يا للمسلمين ، فتكون دعوة المسلمين واحدة غير منهي عنها ، والوجه الثاني أن معنى التعزي في هذا الحديث التأسي والصبر ، فإذا أصاب المسلم مصيبة تفجعه قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، كما أمره الله ، ومعنى قوله بعزاء الله أي : بتعزية الله إياه ، فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقي وهو التعزية ، من عزيت ، كما يقال : أعطيته عطاء ، ومعناه أعطيته إعطاء . وفي الحديث : سيكون للعرب دعوى قبائل ، فإذا كان كذلك فالسيف السيف حتى يقولوا : يا للمسلمين وقال الليث : الاعتزاء : الاتصال في الدعوى إذا كانت حرب ، فكل من ادعى في شعاره : أنا فلان بن فلان ، أو فلان الفلاني ، فقد اعتزى إليه . والعزة : عصبة من الناس ، والجمع عزون . الأصمعي : يقال في الدار عزون ، أي أصناف من الناس . والعزة : الجماعة والفرقة من الناس ، والهاء عوض من الياء ، والجمع عزى على فعل ، وعزون وعزون أيضا بالضم ، ولم يقولوا عزات كما قالوا ثبات ، وأنشد ابن بري للكميت :


                                                          ونحن وجندل باغ تركنا     كتائب جندل شتى عزينا

                                                          [ ص: 142 ] وقوله تعالى : عن اليمين وعن الشمال عزين معنى عزين حلقا حلقا وجماعة جماعة ، وعزون : جمع عزة ، فكانوا عن يمينه وعن شماله جماعات في تفرقة . وقال الليث : العزة عصبة من الناس فوق الحلقة ونقصانها واو . وفي الحديث : ما لي أراكم عزين ؟ قالوا : هي الحلقة المجتمعة من الناس كأن كل جماعة اعتزاؤها أي : انتسابها واحد ، وأصلها عزوة ، فحذفت الواو وجمعت جمع السلامة على غير قياس كثبين وبرين في جمع ثبة وبرة . وعزة مثل عضة ، أصلها عضوة ، وسنذكرها في موضعها . قال ابن بري : ويأتي عزين بمعنى متفرقين ، ولا يلزم أن يكون من صفة الناس بمنزلة ثبين ، قال : وشاهده ما أنشده الجوهري :


                                                          فلما أن أتين على أضاخ     ضرحن حصاه أشتاتا عزينا

                                                          ، لأنه يريد الحصى ، ومثله قول ابن أحمر البجلي :


                                                          حلقت لهازمه عزين ورأسه     كالقرص فرطح من طحين شعير

                                                          وعزويت فعليت ، قال ابن سيده : وإنما حكمنا عليه بأنه فعليت لوجود نظيره وهو عفريت ونفريت ، ولا يكون فعويلا ; لأنه لا نظير له ، قال ابن بري : جعله سيبويه صفة ، وفسره ثعلب بأنه القصير . وقال ابن دريد : هو اسم موضع . وبنو عزوان : حي من الجن ، قال ابن أحمر يصف الظليم ، والعرب تقول : إن الظليم من مراكب الجن :


                                                          حلقت بنو عزوان جؤجؤه     والرأس غير قنازع زعر

                                                          قال الليث : وكلمة شنعاء من لغة أهل الشحر ، يقولون : يعزى ما كان كذا وكذا ، كما نقول نحن : لعمري لقد كان كذا وكذا ، ويعزيك ما كان كذا ، وقال بعضهم : عزوى ، كأنها كلمة يتلطف بها . وقيل : بعزي ، وقد ذكر في عزز ، قال ابن دريد : العزو لغة مرغوب عنها يتكلم بها بنو مهرة بن حيدان ، يقولون : عزوى ، كأنها كلمة يتلطف بها ، وكذلك يقولون يعزى .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية