الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عسب ]

                                                          عسب : العسب : طرق الفحل ، أي ضرابه . يقال : عسب الفحل الناقة يعسبها ، ويقال : إنه لشديد العسب ، وقد يستعار للناس ، قال زهير في عبد له يدعى يسارا أسره قوم فهجاهم :


                                                          ولولا عسبه لرددتموه وشر منيحة أير معار

                                                          وقيل : العسب ماء الفحل ، فرسا كان أو بعيرا ، ولا يتصرف منه فعل . وقطع الله عسبه وعسبه ، أي ماءه ونسله ، ويقال للولد : عسب ، قال كثير يصف خيلا ، أزلقت ما في بطونها من أولادها من التعب :


                                                          يغادرن عسب الوالقي وناصح     تخص به أم الطريق عيالها

                                                          العسب : الولد ، أو ماء الفحل . يعني : أن هذه الخيل ترمي بأجنتها من هذين الفحلين ، فتأكلها الطير والسباع ، وأم الطريق هنا : الضبع ، وأم الطريق أيضا : معظمه . وأعسبه جمله : أعاره إياه - عن اللحياني . واستعسبه إياه : استعاره منه ، قال أبو زبيد :


                                                          أقبل يردي مغار ذي الحصان إلى     مستعسب أرب منه بتمهين

                                                          ، والعسب : الكراء الذي يؤخذ على ضرب الفحل . وعسب الرجل يعسبه عسبا : أعطاه الكراء على الضراب . وفي الحديث : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفحل تقول : عسب فحله يعسبه ، أي أكراه . عسب الفحل : ماؤه ، فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما . وعسبه : ضرابه ، ولم ينه عن واحد منهما ، وإنما أراد النهي عن الكراء الذي يؤخذ عليه ، فإن إعارة الفحل مندوب إليها .

                                                          وقد جاء في الحديث : ومن حقها إطراق فحلها ووجه الحديث : أنه نهى عن كراء عسب الفحل ، فحذف المضاف ، وهو كثير في الكلام . وقيل : يقال لكراء الفحل : عسب ، وإنما نهى عنه للجهالة التي فيه ، ولا بد في الإجارة من تعيين العمل ومعرفة مقداره . وفي حديث أبي معاذ : كنت تياسا ، فقال لي البراء بن عازب : لا يحل لك عسب الفحل . وقال أبو عبيد : معنى العسب في الحديث الكراء . والأصل فيه الضراب ، والعرب تسمي الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه ، كما قالوا للمزادة راوية ، وإنما الراوية البعير الذي يستقى عليه . والكلب يعسب ، أي يطرد الكلاب للسفاد . واستعسبت الفرس إذا استودقت . والعرب تقول : استعسب فلان استعساب الكلب ، وذلك إذا ما هاج واغتلم ، وكلب مستعسب . والعسيب والعسيبة : عظم الذنب ، وقيل : مستدقه ، وقيل : منبت الشعر منه ، وقيل : عسيب الذنب منبته من الجلد والعظم . وعسيب القدم : ظاهرها طولا . وعسيب الريشة : ظاهرها طولا أيضا ، والعسيب : جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها ، أنشد أبو حنيفة :


                                                          وقل لها مني على بعد دارها     قنا النخل أو يهدى إليك عسيب

                                                          قال : إنما استهدته عسيبا - وهو القنا - لتتخذ منه نيرة وحفة ، والجمع أعسبة وعسب وعسوب ، عن أبي حنيفة وعسبان وعسبان ، وهي العسيبة أيضا . وفي التهذيب : العسيب جريد النخل ، إذا نحي عنه خوصه . والعسيب من السعف : فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص ، وما نبت عليه الخوص فهو السعف ، وفي الحديث : أنه خرج وفي يده عسيب قال ابن الأثير : أي : جريدة من النخل ، هي السعفة ، مما لا ينبت عليه الخوص . ومنه حديث قيلة : وبيده عسيب نخلة مقشو كذا يروى مصغرا ، وجمعه : عسب بضمتين . ومنه حديث زيد بن ثابت : فجعلت أتتبع القرآن من العسب واللخاف . ومنه حديث الزهري : قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن في العسب والقضم ، وقوله أنشده ثعلب :


                                                          على مثاني عسب مساط

                                                          ، فسره فقال : عنى قوائمه .

                                                          والعسبة والعسبة والعسيب : شق يكون في الجبل . قال المسيب بن علس ، وذكر العاسل وأنه صب العسل في طرف هذا العسيب إلى صاحب له دونه ، فتقبله منه :


                                                          فهراق في طرف العسيب إلى

                                                          [ ص: 143 ] متقبل لنواطف صفر وعسيب : اسم جبل . وقال الأزهري : هو جبل بعالية نجد معروف ، يقال : لا أفعل كذا ما أقام عسيب ، قال امرؤ القيس :


                                                          أجارتنا إن الخطوب تنوب     وإني مقيم ما أقام عسيب

                                                          واليعسوب : أمير النحل وذكرها ، ثم كثر ذلك حتى سموا كل رئيس يعسوبا . ومنه حديث الدجال : فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، جمع يعسوب ، أي تظهر له وتجتمع عنده ، كما تجتمع النحل على يعاسيبها . وفي حديث علي يصف أبا بكر - رضي الله عنهما : كنت للدين يعسوبا أولا حين نفر الناس عنه . اليعسوب : السيد والرئيس والمقدم ، وأصله فحل النحل . وفي حديث علي - رضي الله عنه - أنه ذكر فتنة ، فقال : إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه ، فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف ، قال الأصمعي : أراد بقوله : يعسوب الدين ، أنه سيد الناس في الدين يومئذ . وقيل : ضرب يعسوب الدين بذنبه ، أي فارق الفتنة وأهلها ، وضرب في الأرض ذاهبا في أهل دينه ، وذنبه : أتباعه الذين يتبعونه على رأيه ، ويجتنبون اجتنابه من اعتزال الفتن . ومعنى قوله : ضرب أي : ذهب في الأرض ، يقال : ضرب في الأرض مسافرا أو مجاهدا ، وضرب فلان الغائط إذا أبعد فيها للتغوط . وقوله : بذنبه ، أي في ذنبه وأتباعه أقام الباء مقام " في " أو مقام " مع " ، وكل ذلك من كلام العرب . وقال الزمخشري : الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة والثبات ، يعني أنه يثبت هو ومن تبعه على الدين . وقال أبو سعيد : أراد بقوله : ضرب يعسوب الدين بذنبه : أراد بيعسوب الدين ضعيفه ومحتقره وذليله ، فيومئذ يعظم شأنه حتى يصير عين اليعسوب . قال : وضربه بذنبه ، أن يغرزه في الأرض إذا باض كما تسرأ الجراد ، فمعناه : أن القائم يومئذ يثبت حتى يثوب الناس إليه ، وحتى يظهر الدين ويفشو ، ويقال للسيد : يعسوب قومه ، وفي حديث علي : أنا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكفار . وفي رواية : المنافقين ، أي يلوذ بي المؤمنون ويلوذ بالمال الكفار أو المنافقون ، كما يلوذ النحل بيعسوبها وهو مقدمها وسيدها ، والباء زائدة . وفي حديث علي - رضي الله عنه - أنه مر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد مقتولا يوم الجمل ، فقال : لهفي عليك يعسوب قريش ، جدعت أنفي ، وشفيت نفسي . يعسوب قريش : سيدها ، شبهه في قريش بالفحل في النحل . قال أبو سعيد : وقوله في عبد الرحمن بن أسيد على التحقير له والوضع من قدره ، لا على التفخيم لأمره . قال الأزهري : وليس هذا القول بشيء ، وأما ما أنشده المفضل :


                                                          وما خير عيش لا يزال كأنه     محلة يعسوب برأس سنان

                                                          فإن معناه : أن الرئيس إذا قتل جعل رأسه على سنان ، يعني أن العيش إذا كان هكذا ، فهو الموت . وسمى في حديث آخر الذهب يعسوبا ، على المثل لقوام الأمور به . واليعسوب : طائر أصغر من الجرادة - عن أبي عبيد . وقيل : أعظم من الجرادة طويل الذنب ، لا يضم جناحيه إذا وقع ، تشبه به الخيل في الضمر ، قال بشر :


                                                          أبو صبية شعث يطيف بشخصه     كوالح أمثال اليعاسيب ضمر

                                                          والياء فيه زائدة ; لأنه ليس في الكلام فعلول غير صعقوق .

                                                          وفي حديث معضد : لولا ظمأ الهواجر ما باليت أن أكون يعسوبا . قال ابن الأثير : هو هاهنا فراشة مخضرة تطير في الربيع ، وقيل : إنه طائر أعظم من الجراد ، قال : ولو قيل : إنه النحلة لجاز . واليعسوب : غرة في وجه الفرس مستطيلة تنقطع قبل أن تساوي أعلى المنخرين ، وإن ارتفع أيضا على قصبة الأنف ، وعرض واعتدل حتى يبلغ أسفل الخليقاء ، فهو يعسوب أيضا قل أو كثر ما لم يبلغ العينين .

                                                          واليعسوب : دائرة في مركض الفارس حيث يركض برجله من جنب الفرس ، قال الأزهري : هذا غلط . اليعسوب عند أبي عبيدة وغيره : خط من بياض الغرة ينحدر حتى يمس خطم الدابة ثم ينقطع . واليعسوب : اسم فرس سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليعسوب أيضا : اسم فرس الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية