الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        باب البيوع المنهي عنها

                                                                                                                                                                        ما ورد فيه النهي من البيوع ، قد يحكم بفساده وهو الأغلب ؛ لأنه مقتضى النهي . وقد لا يحكم بفساده ، لكون النهي ليس لخصوصية البيع ، بل لأمر آخر . فالقسم الأول أنواع . منها : بيع اللحم بالحيوان ، وقد سبق .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع ما لم يقبض ، وبيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان ، وبيع الكالئ بالكالئ . وسنشرحها بعد ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع الغرر .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع ما لم يقدر على تسليمه ، وقد سبق .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع مال الغير .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع ما ليس عنده ، وفيه تفسيران .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يبيع غائبا . والثاني : ما لا يملكه ليشتريه فيسلمه .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع الكلب والخنزير ، وقد سبق ذكرهما في شرائط المبيع .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع عسب الفحل - بفتح العين وإسكان السين المهملتين - ، والمشهور في كتب الفقه : أنه ضرابه ، وقيل : أجرة ضرابه ، وقيل : هو ماؤه . فعلى الأول والثالث ، تقديره : بدل عسب الفحل . وفي رواية الشافعي - رضي الله عنه - : [ ص: 398 ] نهي عن ثمن عسب الفحل . والحاصل : إن بذل عوضا عن الضراب ، إن كان بيعا ، فباطل قطعا ، وكذا إن كان إجارة على الأصح . ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع حبل الحبلة ، هو نتاج النتاج . ومعناه : أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد هذه الدابة . كذا فسره ابن عمر والشافعي وغيرهما - رضي الله عنهم - . وقيل : هو بيع ولد نتاج هذه الدابة ، قاله أبو عبيد وأهل اللغة .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع الملاقيح ، وهي ما في بطون الأمهات من الأجنة ، الواحدة : ملقوحة . وبيع المضامين ، وهي ما في أصلاب الفحول .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع الملامسة . وفيه تأويلات .

                                                                                                                                                                        أحدها : تأويل الشافعي - رضي الله عنه - ، وهو أن يأتي بثوب مطوي ، أو في ظلمة ، فيلمسه المستام فيقول صاحبه : بعتكه بكذا ، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ، ولا خيار لك إذا رأيته . والثاني : أن يجعل نفس اللمس بيعا ، فيقول : إذا لمسته فهو مبيع لك . والثالث : أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس وغيره ، ولزم البيع . وهذا البيع باطل على التأويلات كلها . وفي الأول احتمال للإمام ، وقاله صاحب " التتمة " تفريعا على صحة نفي خيار الرؤية . قال في " التتمة " : وعلى التأويل الثاني ، له حكم المعاطاة . والمذهب : الجزم بالبطلان على التأويلات .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع المنابذة ، وفيه تأويلات .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يجعلا نفس النبذ بيعا ، قاله الشافعي - رضي الله عنه - ، وهو بيع باطل . قال الأصحاب : ويجيء فيه الخلاف في المعاطاة ، فإن المنابذة مع قرينة البيع ، هي نفس المعاطاة . والثاني : أن يقول : بعتك على أني إذا نبذته إليك ، لزم البيع ، وهو باطل . والثالث : أن المراد نبذ الحصاة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع الحصاة ، وفيه تأويلات .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يقول : بعتك من [ ص: 399 ] هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها ، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة . والثاني : أن يقول : بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي الحصاة . والثالث : أن يجعلا نفس الرمي بيعا ، فيقول : إذا رميت الحصاة ، فهذا الثوب مبيع لك بكذا ، والبيع باطل في جميعها .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيعتان في بيعة ، وفيه تأويلان نص عليهما في " المختصر " . أحدهما : أن يقول : بعتك هذا بألف ، على أن تبيعني دارك بكذا ، أو تشتري مني داري بكذا ، وهو باطل . والثاني : أن يقول : بعتكه بألف نقدا ، أو بألفين نسيئة ، فخذه بأيهما شئت أو شئت أنا ، وهو باطل . أما لو قال : بعتك بألف نقدا ، وبألفين نسيئة ، أو قال : بعتك نصفه بألف ، ونصفه بألفين ، فيصح العقد . ولو قال : بعتك هذا العبد بألف ، نصفه بستمائة ، لم يصح ؛ لأن ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسوية ، وآخره يناقضه .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع المحاقلة والمزابنة ، وسيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع المجر - بفتح الميم وإسكان الجيم والراء - وهو ما في الرحم ، وقيل : هو الربا . وقيل : هو المحاقلة والمزابنة .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع السنين ، وله تفسيران .

                                                                                                                                                                        أحدهما : بيع ثمرة النخلة سنين . والثاني : أن يقول : بعتك هذا سنة ، على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا ، فترد إلي المبيع وأرد إليك الثمن .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع العربان . ويقال : العربون ، وهو أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم ، على أنه إن أخذ السلعة ، فهي من الثمن ، وإلا ، فهي للمدفوع إليه مجانا . ويفسر أيضا بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له خفا أو خاتما أو ينسج له ثوبا ، على أنه إن رضيه ، فالمدفوع من الثمن ، وإلا ، فهو للمدفوع إليه .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع العنب قبل أن يسود ، والحب قبل أن يشتد ، وبيع الثمار قبل أن تنجو من العاهة ، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        [ ص: 400 ] ومنها : بيع السلاح لأهل الحرب ، لا يصح ، ويجوز بيعهم الحديد ؛ لأنه لا يتعين للسلاح .

                                                                                                                                                                        قلت : بيع السلاح لأهل الذمة في دار الإسلام ، صحيح . وقيل : وجهان ، حكاهما المتولي والبغوي والروياني وغيرهم . والله أعلم .



                                                                                                                                                                        ومنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نهى عن ثمن الهرة . قال القفال : المراد : الهرة الوحشية ، إذ ليس فيها منفعة استئناس ولا غيره .

                                                                                                                                                                        قلت : مذهبنا : أنه يصح بيع الهرة الأهلية ، نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - وغيره . والجواب عن الحديث من أوجه ، ذكرها الخطابي .

                                                                                                                                                                        أحدها : أنه تكلم في صحته . والثاني : جواب القفال .

                                                                                                                                                                        والثالث : أنه نهي تنزيه . والمقصود : أن الناس يتسامحون به ويتعاورونه . هذه أجوبة الخطابي ، لكن الأول باطل ، فإن الحديث في صحيح مسلم من رواية جابر - رضي الله عنه - . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ومنها : النهي عن بيع وسلف ، وهو البيع بشرط القرض .

                                                                                                                                                                        ومنها : النهي عن بيع وشرط . والشرط ينقسم إلى فاسد ، وصحيح . فالفاسد : يفسد العقد على المذهب ، وفيه كلام سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى . فمن الفاسد ، إذا باع عبده بألف ، بشرط أن يبيعه داره ، أو يشتري منه داره ، وبشرط أن يقرضه عشرة ، فالعقد الأول باطل . فإذا أتيا بالبيع الثاني ، نظر ، إن كانا يعلمان بطلان الأول ، صح ، وإلا ، فلا ؛ لأنهما يأتيان به على حكم الشرط الفاسد ، كذا قطع به صاحب " التهذيب " وغيره . والقياس : صحته ، وبه قطع الإمام ، وحكاه عن شيخه في كتاب " الرهن " . ولو اشترى زرعا ، وشرط على بائعه أن يحصده ، بطل البيع على المذهب . وقيل : فيه قولان ؛ لأنه جمع بين بيع وإجارة . وقيل : شرط الحصاد باطل . وفي البيع قولا تفريق الصفقة . وكذا الحكم لو أفرد الشراء [ ص: 401 ] بعوض والاستئجار بعوض ، فقال : اشتريته بعشرة ، على أن تحصده بدرهم ؛ لأنه جعل الإجارة شرطا في البيع ، فهو في معنى بيعتين في بيعة . ولو قال : اشتريت هذا الزرع ، واستأجرتك على حصاده بعشرة ، فقال : بعت وأجرت ، فطريقان . أحدهما : على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم . والثاني : تبطل الإجارة . وفي البيع قولا تفريق الصفقة . ولو قال : اشتريت هذا الزرع بعشرة ، واستأجرتك لحصده بدرهم ، صح الشراء ، ولم تصح الإجارة ؛ لأنه استأجره للعمل فيما لم يملكه . ونظائر مسألة الزرع تقاس بها ، كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه صبغه ، وخياطته ، أو لبنا وشرط عليه طبخه ، أو نعلا وشرط عليه أن ينعل به دابته ، أو عبدا رضيعا على أنه يتم إرضاعه ، أو متاعا على أن يحمله إلى بيته ، والبائع يعرف بيته ، فإن لم يعرفه ، بطل قطعا . ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا ، فهل يصح العقد ويسلمه إليه في موضعه ، أم لا يصح حتى يشترط تسليمه في موضعه ؛ لأن العادة قد تقتضي حمله إلى داره ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : الصحة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما الشرط الصحيح في البيع ، فمن أنواعه شرط الأجل المعلوم في الثمن . فإن كان الثمن مجهولا ، بطل . قالالروياني : ولو أجل الثمن ألف سنة ، بطل العقد ، للعلم بأنه لا يعيش هذه المدة . فعلى هذا ، يشترط في صحة الأجل ، احتمال بقائه إليه .

                                                                                                                                                                        قلت : لا يشترط احتمال بقائه إليه ، بل ينتقل إلى وارثه ، لكن التأجيل بألف سنة وغيرها مما يبعد بقاء الدنيا إليه ، فاسد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ثم موضع الأجل ، إذا كان العوض في الذمة . فأما ذكره في المبيع أو في الثمن المعين ، مثل أن يقول : اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها في وقت كذا ، فباطل ، يبطل البيع . ولو حل الأجل ، فأجل البائع المشتري مدة ، أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب ، فهو وعد لا يلزم . كما أن بدل الإتلاف لا يتأجل وإن [ ص: 402 ] أجله . ولو أوصى من له دين حال على إنسان بإمهاله مدة ، لزم ورثته إمهاله تلك المدة ؛ لأن التبرعات بعد الموت تلزم ، قاله في " التتمة " .

                                                                                                                                                                        ولو أسقط من عليه الدين المؤجل الأجل ، فهل يسقط حتى يتمكن المستحق من مطالبته في الحال ؟ وجهان . أصحهما : لا يسقط ؛ لأن الأجل صفة تابعة ، والصفة لا تفرد بالإسقاط ، ألا ترى أن مستحق الحنطة الجيدة ، أو الدنانير الصحاح ، لو أسقط صفة الجودة والصحة ، لم تسقط . ومن أنواعه ، شرط الخيار ثلاثة أيام ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ومنها : شرط الرهن ، والكفيل ، والشهادة ، فيصح البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن ، أو يتكفل به كفيل ، أو يشهد عليه ، سواء كان الثمن حالا أو مؤجلا . ويجوز أيضا أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ، ولا بد من تعيين الرهن والكفيل . والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الوصف بصفة المسلم فيه . وفي الكفيل المشاهدة ، أو المعرفة بالاسم والنسب ، ولا يكفي الوصف ، كقوله : رجل موسر ثقة . هذا هو المنقول للأصحاب . ولو قال قائل : الاكتفاء بالوصف أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله ، لم يكن مبعدا . وقال القاضي ابن كج : لا يشترط تعيين الكفيل . فإذا أطلق ، أقام من شاء كفيلا ، وهذا شاذ مردود . ولا يشترط تعيين الشهود على الأصح . وادعى الإمام ، أنه لا يشترط قطعا ، ورد الخلاف إلى أنه لو عين الشهود ، هل يتعينون ؟ ولا يشترط التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل على الأصح ، بل إن اتفقا على يد المرتهن ، أو عدل ، وإلا جعله الحاكم في يد عدل . وينبغي أن يكون المشروط رهنه غير المبيع . فلو شرط كون المبيع نفسه رهنا بالثمن ، بطل البيع على المذهب ، وبه قطع الأصحاب ، إلا الإمام ، فإنه قال : هو مبني على أن البداءة بالتسليم بمن ؟ فإن قلنا : بالبائع أو يجبران ، أو لا يجبران ، بطل البيع ؛ لأنه شرط ينافي مقتضاه . وإن قلنا : بالمشتري ، فوجهان . أحدهما : هذا . [ ص: 403 ] والثاني : يصح البيع والشرط ، سواء كان الثمن حالا ، أو مؤجلا . ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه ، بطل البيع أيضا . ولو رهنه بالثمن من غير شرط ، صح إن كان بعد القبض . فإن كان قبله ، فلا إن كان الثمن حالا ؛ لأن الحبس ثابت له . وإن كان مؤجلا ، فهو كرهن المبيع بدين آخر قبل القبض . ثم إذا لم يرهن المشتري ما شرطه ، أو لم يشهد ، أو لم يتكفل الذي عينه ، فلا إجبار ، لكن للبائع الخيار . ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين . فإن فسخ ، فذاك . وإن أجاز ، فلا خيار للمشتري . ولو عين شاهدين ، فامتنعا من التحمل ، فإن قلنا : لا بد من تعيين الشاهدين ، فللبائع الخيار ، وإلا ، فلا . ولو باع بشرط الرهن ، فهلك المرهون قبل القبض ، أو تعيب ، أو وجد به عيبا قديما ، فله الخيار في فسخ البيع ، وإن تعيب بعد القبض ، فلا خيار . ولو ادعى الراهن أنه حدث بعد القبض ، وقال المرتهن : قبله ، فالقول قول الراهن . ولو هلك الرهن بعد القبض ، أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم ، فلا أرش له ، وليس له فسخ البيع على الأصح .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        في بيع الرقيق بشرط العتق ، ثلاثة أقوال . المشهور : أنه يصح العقد والشرط . والثاني : يبطلان . والثالث : يصح البيع ويبطل الشرط . فإذا صححنا الشرط ، فذاك إذا أطلق ، أو قال : بشرط أن تعتقه عن نفسك . أما إذا قال : بشرط أن تعتقه عني ، فهو لاغ . ثم في العتق المشروط ، وجهان . أصحهما : أنه حق لله تعالى ، [ ص: 404 ] كالملتزم بالنذر . والثاني : أنه حق للبائع ، فعلى هذا للبائع المطالبة به قطعا . وإن قلنا : إنه لله تعالى ، فللبائع المطالبة به أيضا على الأصح . وإذا أعتقه المشتري ، فالولاء له بلا خلاف ، سواء قلنا : الحق لله تعالى ، أم للبائع ؛ لأنه أعتق ملكه . فإن امتنع من العتق ، فإن قلنا : الحق لله تعالى ، أجبر عليه . وإن قلنا : للبائع ، لم يجبر ، بل يخير البائع في فسخ البيع . وإذا قلنا بالإجبار ، قال في " التتمة " : يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق ، فيعتقه القاضي على قول ، ويحبسه حتى يعتق على قول . وذكر الإمام احتمالين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : هذا . والثاني : يتعين الحبس . فإذا قلنا : العتق حق للبائع ، فأسقطه ، سقط ، كما لو اشترط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه . وعن الشيخ أبي محمد : أن شرط الرهن والكفيل لا يفرد بالإسقاط ، كالأجل ، فلو أعتق المشتري هذا العبد عن الكفارة ، فإن قلنا : الحق لله تعالى ، أو للبائع ، ولم يأذن ، لم يجز . وإن أذن ، أجزأه عنها على الأصح . ويجوز استخدامه ، والوطء والإكساب للمشتري . ولو قتل ، كانت القيمة له ، ولا يكلفه صرفها إلى عبد آخر ليعتقه . ولو باعه لغيره وشرط عليه عتقه ، لم يصح على الصحيح . ولو أولد الجارية ، لم يجزئه عن الإعتاق على الصحيح . ولو مات العبد قبل عتقه ، فأوجه : أصحها : ليس عليه إلا الثمن المسمى ؛ لأنه لم يلتزم غيره . والثاني : عليه مع ذلك قدر التفاوت بمثل نسبته من الثمن . والثالث : للبائع الخيار ، إن شاء أجاز العقد ولا شيء له ، وإن شاء فسخ ورد ما أخذ من الثمن ورجع بقيمة العبد . والرابع : ينفسخ . ثم إن هذه الأوجه مفرعة على أن العتق للبائع ، أم مطردة ، سواء قلنا : له ، أو لله تعالى ؟ فيه رأيان للإمام . أظهرهما الثاني .

                                                                                                                                                                        قلت : وهذا الثاني ، مقتضى كلام الأصحاب وإطلاقهم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره ، أو يكاتبه ، أو يعتقه بعد شهر [ ص: 405 ] أو سنة ، أو دارا بشرط أن يجعلها وقفا ، فالأصح : أن البيع باطل في جميع ذلك . وقيل : إنه كشرط الإعتاق . وجميع ما سبق في شرط الإعتاق مفروض فيما إذا لم يتعرض للولاء . فأما إذا شرط مع العتق كون الولاء للبائع ، فالمذهب : أن البيع باطل ، وبهذا قطع الجمهور . وحكي قول : أنه يصح البيع ، ويبطل الشرط . وحكى الإمام وجها : أنه يصح الشرط أيضا ، ولا يعرف هذا الوجه عن غير الإمام . ولو اشترى بشرط الولاء دون شرط الإعتاق ، بأن قال : بعتكه بشرط أن يكون لي الولاء إن أعتقته ، فالبيع باطل قطعا ، ذكره في " التتمة " . ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه ، فالبيع باطل قطعا ، لتعذر الوفاء بالشرط ، فإنه يعتق عليه قبل إعتاقه ، قاله القاضي حسين .

                                                                                                                                                                        قلت : قد حكى الرافعي في كتاب " كفارة الظهار " عن ابن كج : أنه لو اشترى عبدا بشرط أن يعلق عتقه بصفة ، لم يصح البيع على الأصح . وحكى وجهين فيما لو اشترى جارية حاملا بشرط العتق ، فولدت ثم أعتقها ، هل يتبعها الولد ؟ وأنه لو باع عبدا بشرط أن يبيعه المشتري بشرط العتق ، فالمذهب : بطلان البيع . وعن ابن القطان : أنه على وجهين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية