الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عسس ]

                                                          عسس : عس يعس عسسا وعسا ، أي طاف بالليل ، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه كان يعس بالمدينة ، أي يطوف بالليل يحرس الناس ، ويكشف أهل الريبة ، والعسس : اسم منه كالطلب ، وقد يكون جمعا لعاس ، كحارس وحرس ، والعس : نفض الليل عن أهل الريبة . عس يعس عسا واعتس . ورجل عاس ، والجمع عساس وعسسة ، ككافر وكفار وكفرة . والعسس : اسم للجمع كرائح وروح ، وخادم وخدم ، وليس بتكسير ; لأن فعلا ليس مما يكسر عليه فاعل ، وقيل : العسس جمع عاس ، وقد قيل : إن العاس أيضا يقع على الواحد والجمع ، فإن كان كذلك فهو اسم للجمع أيضا ، كقولهم الحاج والداج ، ونظيره من غير المدغم : الجامل والباقر ، وإن كان على وجه الجنس فهو غير متعدى به ; لأنه مطرد كقوله :


                                                          إن تهجري يا هند أو تعتلي أو تصبحي في الظاعن المولي

                                                          وعس يعس إذا طلب . واعتس الشيء : طلبه ليلا أو قصده . واعتسسنا الإبل فما وجدنا عساسا ولا قساسا ، أي أثرا . والعسوس والعسيس : الذئب الكثير الحركة . والذئب العسوس : الطالب للصيد . ويقال للذئب : العسعس والعسعاس ; لأنه يعس الليل ويطلب ، وفي الصحاح : العسوس الطالب للصيد ، قال الراجز :


                                                          واللعلع المهتبل العسوس

                                                          ، وذئب عسعس وعسعاس وعساس : طلوب للصيد بالليل . وقد عسعس الذئب : طاف بالليل ، وقيل : إن هذا الاسم يقع على كل السباع إذا طلب الصيد بالليل ، وقيل : هو الذي لا يتقار ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          مقلقة للمستنيح العسعاس

                                                          يعني الذئب يستنيح الذئاب ، أي يستعويها ، وقد تعسعس . والتعسعس : طلب الصيد بالليل ، وقيل : العسعاس الخفيف من كل شيء . وعسعس الليل عسعسة : أقبل بظلامه ، وقيل : عسعسته قبل السحر . وفي التنزيل : والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس قيل : هو إقباله ، وقيل : هو إدباره . قال الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر ، قال : وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس معناه دنا من أوله وأظلم ، وكان أبو البلاد النحوي ينشد :


                                                          عسعس حتى لو يشاء ادنا     كان له من ضوئه مقبس

                                                          وقال : ادنا إذ دنا فأدغم ، قال : وكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع ، وكان أبو حاتم وقطرب يذهبان إلى أن هذا الحرف من الأضداد . وفي حديث علي - رضي الله عنه - : أنه قام من جوف الليل ليصلي فقال : والليل إذا عسعس عسعس الليل إذا أقبل بظلامه وإذا أدبر ، فهو من الأضداد . ومنه حديث قس : حتى إذا الليل عسعس . وكان أبو عبيدة يقول : عسعس الليل أقبل ، وعسعس أدبر ، وأنشد :


                                                          مدرعات الليل لما عسعسا

                                                          أي : أقبل وقال الزبرقان :


                                                          وردت بأفراس عتاق وفتية     فوارط في أعجاز ليل معسعس

                                                          أي : مدبر مول . وقال أبو إسحاق بن السري : عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر ، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره ، وقال ابن الأعرابي : العسعسة ظلمة الليل كله ، ويقال : إدباره وإقباله . وعسعس فلان الأمر إذا لبسه وعماه ، وأصله من عسعسة الليل . وعسعست السحابة : دنت من الأرض ليلا ، لا يقال ذلك إلا بالليل إذا كان في ظلمة وبرق . وأورد ابن سيده هنا ما أورده الأزهري عن أبي البلاد النحوي ، وقال في موضع قوله : " يشاء ادنا " - : لو يشاء إذ دنا ، ولم يدغم ، وقال : يعني سحابا فيه برق وقد دنا من الأرض ، والمعس : المطلب ، قال : والمعنيان متقاربان . وكلب عسوس : طلوب لما يأكل ، والفعل كالفعل ، وأنشد للأخطل :


                                                          معفرة لا ينكر السيف وسطها     إذا لم يكن فيها معس لحالب

                                                          وفي المثل في الحث على الكسب : كلب اعتس خير من كلب ربض ، وقيل : كلب عاس خير من كلب رابض ، وقيل : كلب عس خير من كلب ربض ، والعاس : الطالب ، يعني أن من تصرف خير ممن عجز .

                                                          أبو عمرو : الاعتساس والاعتسام الاكتساب والطلب . وجاء بالمال من عسه وبسه ، وقيل : من حسه وعسه ، وكلاهما إتباع ولا ينفصلان ، أي من جهده وطلبه ، وحقيقتهما الطلب . وجئ به من عسك وبسك ، أي من حيث كان ، وقال اللحياني : من حيث كان ولم يكن . وعس علي يعس عسا : أبطأ ، وكذلك عس علي خبره ، أي أبطأ ، وإنه لعسوس بين العسس ، أي بطيء ، وفيه عسس - بضمتين - أي بطء . أبو عمرو : العسوس من الرجال إذا قل خيره ، وقد عس علي بخيره . والعسوس من الإبل : التي ترعى وحدها مثل القسوس ، وقيل : هي التي لا تدر حتى تتباعد عن الناس ، وقيل : هي التي تضجر ويسوء خلقها ، وتتنحى عن الإبل عند الحلب أو في المبرك . وقيل : العسوس التي تعتس أبها لبن أم لا ، تراز ويلمس ضرعها ، وأنشد أبو عبيد لابن أحمر الباهلي :


                                                          وراحت الشول ولم يحبها     فحل ولم يعتس فيها مدر

                                                          قال الهجيمي : لم يعتسها ، أي لم يطلب لبنها ، وقد تقدم أن المعس [ ص: 148 ] المطلب ، وقيل : العسوس التي تضرب برجلها وتصب اللبن ، وقيل : هي التي إذا أثيرت للحلب مشت ساعة ثم طوفت ثم درت . ووصف أعرابي ناقة فقال : إنها لعسوس ضروس شموس نهوس ، فالعسوس : ما قد تقدم ، والضروس والنهوس : التي تعض ، وقيل : العسوس التي لا تدر وإن كانت مفيقا ، أي قد اجتمع فواقها في ضرعها ، وهو ما بين الحلبتين ، وقد عست تعس في كل ذلك . أبو زيد : عسست القوم أعسهم إذا أطعمتهم شيئا قليلا ، ومنه أخذ العسوس من الإبل . والعسوس من النساء : التي لا تبالي أن تدنو من الرجال . والعس : القدح الضخم ، وقيل : هو أكبر من الغمر ، وهو إلى الطول ، يروي الثلاثة والأربعة والعدة ، والرفد أكبر منه ، والجمع عساس وعسسة . والعسس : الآنية الكبار ، وفي الحديث : أنه كان يغتسل في عس حزر ثمانية أرطال أو تسعة ، وقال ابن الأثير في جمعه : أعساس أيضا ، وفي حديث المنحة : تغدو بعس وتروح بعس والعسعس والعسعاس : الخفيف من كل شيء ، قال رؤبة يصف السراب :


                                                          وبلد يجري عليه العسعاس     من السراب والقتام المسماس

                                                          أراد السمسام وهو الخفيف فقلبه . وعسعس - غير مصروف - : بلدة ، وفي " التهذيب " : عسعس موضع بالبادية معروف . والعسس : التجار الحرصاء . والعس : الذكر ، وأنشد أبو الوازع :


                                                          لاقت غلاما قد تشظى عسه     ما كان إلا مسه فدسه

                                                          قال : عسه ذكره . ويقال : اعتسست الشيء ، واحتششته ، واقتسسته ، واشتممته ، واهتممته ، واختششته ، والأصل في هذا أن تقول : شممت بلد كذا وخششته ، أي وطئته فعرفت خبره ، قال أبو عمرو : التعسعس الشم ، وأنشد :


                                                          كمنخر الذئب إذا تعسعسا

                                                          وعسعس : اسم رجل ، قال الراجز :


                                                          وعسعس نعم الفتى تبياه

                                                          أي : تعتمده ، وعساعس : جبل أنشد ابن الأعرابي :


                                                          قد صبحت من ليلها عساعسا     عساعسا ذاك العليم الطامسا
                                                          يترك يربوع الفلاة فاطسا

                                                          أي : ميتا ، وقال امرؤ القيس :


                                                          ألما على الربع القديم بعسعسا     كأني أنادي أو أكلم أخرسا

                                                          ويقال للقنافذ : العساعس ; لكثرة ترددها بالليل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية