الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب قسمة الحيوان والعروض . ( قال : رحمه الله وإذا كانت الغنم بين قوم ميراثا أو شراء فأراد بعضهم قسمتها وكره ذلك بعضهم وقامت البينة على الأصل فإن القاضي يقسمها بينهم ) ; لأن اعتبار المعادلة في المنفعة والمالية عند اتحاد جنس الحيوان ممكن للتقارب في المقصود فيغلب معنى التمييز في هذه القسمة على معنى المعاوضة وبمعنى التمييز يثبت للقاضي ولاية إجبار بعض الشركاء عليه ، وكذلك كل صنف من الحيوان أو غيره من الثياب أو ما يكال أو يوزن فعند اتحاد الجنس يجبر القاضي على القسمة عند طلب بعض الشركاء إلا في الرقيق فإن أبا حنيفة رحمه الله يقول : لا يقسم الرقيق بينهم إذا كره ذلك بعضهم ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم ذلك بينهم بطلب بعضهم ; لأن الرقيق جنس واحد إذا كانوا ذكورا أو إناثا ومراعاة المعادلة في المنفعة ممكن لتقارب المقصود فيقسمها بينهم عند طلب بعضهم كما في سائر الحيوانات ( ألا ترى ) أن الرقيق كسائر الحيوانات في سائر العقود من حيث إنها تثبت في الذمة مهرا ولا تثبت سلما ، فكذلك في القسمة يجعل الرقيق كسائر الحيوانات والدليل عليه أن الرقيق يقسم في الغنيمة كسائر الأموال ، فكذلك في القسمة بين الشركاء وأبو حنيفة رحمه الله يقول : التفاوت في الرقيق أظهر منه في الأجناس المختلفة فإن الأجناس . [ ص: 37 ] المختلفة قد تتفاوت في المالية والرقيق يتفاوت تفاوتا فاحشا ، ثم قسمة الجبر لا تجري في الأجناس المختلفة ، فكذلك في الرقيق وهذا ; لأن المعتبر المعادلة في المالية والمنفعة ، وذلك يتفاوت في الآدمي باعتبار معان باطلة لا يوقف عليها حقيقة كالدهن والكتابة وقد يرى الإنسان من نفسه ما ليس فيه حقيقة أو أكثر مما هو فيه فيتعذر اعتبار المعادلة في المالية وبترجح معنى المعاوضة في هذه القسمة على معنى التمييز فلا يجوز إلا بالتراضي والدليل على الفرق بين الرقيق وسائر الحيوانات أن الذكور والإناث في سائر الحيوانات جنس واحد وفي الرقيق هما جنسان حتى إذا اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هي جارية لم يجز الشراء بخلاف سائر الحيوانات وما كان ذلك إلا باعتبار معنى التفاوت وهذا بخلاف قسمة الغنيمة فإنها تجري في الأجناس المختلفة وكان المعنى فيه أن حق الغانمين في معنى المالية دون العين حتى كان للإمام بيع المغانم وقسمة الثمن فإنما يعتبر اتصال مقدار من المالية إلى كل واحد منهم فأما في الشركة الملك حق الشركاء في العين والمالية فللإمام حق التمييز بالقسمة على طريق المعادلة وليس له ولاية المعاوضة فإذا كان يتعذر اعتبار المعادلة هنا بطريق التمييز لا يثبت للقاضي ولاية الإجبار على القسمة إلا أن يكون مع الرقيق شيء آخر من غنم أو ثياب أو متاع فحينئذ يقسم ذلك كله وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول : تأويل هذه المسألة أنه يقسم ذلك برضاء الشركاء فأما مع كراهة بعضهم القاضي لا يقسم ; لأنه إذا كان عند اتحاد الجنس في الرقيق لا يقسم قسمة الجبر عند أبي حنيفة رحمه الله فعند اختلاف الجنس أولى والأظهر أن قسمة الجبر هنا تجري عند أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن الجنس الآخر الذي هو مع الرقيق يجعل أصلا في القسمة وحكم القسمة جبرا يثبت فيه فيثبت في الرقيق أيضا تبعا وقد يثبت حكم العقد في الشيء تبعا ، وإن كان لا يجوز إثباته فيه مقصودا كالشرب والطريق في البيع والمنقولات في الوقت وكأنه استحسن ذلك ; لأنه قل ما تخلو تركة يحتاج فيها إلى قسمة القاضي عن الرقيق وإذا كان مع الرقيق شيء آخر فباعتبار المعادلة في المالية يتيسر بخلاف ما إذا كان الكل رقيقا فعند مقابلة الرقيق بالرقيق يعظم الغبن والتفاوت وعند مقابلة الرقيق بمال آخر يقل التفاوت .

التالي السابق


الخدمات العلمية