الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته

                                                                                                          2841 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمي محمدا أبا القاسم وفي الباب عن جابر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد كره بعض أهل العلم أن يجمع الرجل بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته وقد فعل ذلك بعضهم [ ص: 106 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 106 ] ( باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكنيته ) .

                                                                                                          اعلم أن علماء العربية قالوا : العلم إما أن يكون مشعرا بمدح أو ذم وهو اللقب وإما أن لا يكون ، فإما أن يصدر بأب أو أم أو ابن كأبي بكر وأم كلثوم وابن عباس وهو الكنية أو لا وهو الاسم ، فاسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محمد وكنيته أبو القاسم ولقبه : رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما كني بأكبر أولاده .

                                                                                                          ثم اعلم أنه قد ورد في التسمي باسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتكني بكنيته أحاديث مختلفة ، ولذلك اختلف أقوال أهل العلم فيه . قال النووي : اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة وجمعها القاضي وغيره .

                                                                                                          أحدها : مذهب الشافعي وأهل الظاهر ، أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلا ، سواء كان اسمه محمدا أو أحمد أم لم يكن ، لظاهر حديث أنس يعني الآتي في هذا الباب .

                                                                                                          الثاني : أن هذا النهي منسوخ ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نسخ ، قالوا فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد ، سواء من اسمه محمد أو أحمد أو غيره ، وهذا مذهب مالك . قال القاضي : وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء ، قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول ، وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار .

                                                                                                          الثالث : مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ ، وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم .

                                                                                                          الرابع : أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين ، وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر .

                                                                                                          الخامس : أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقا ، وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم ، وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك ، وكان سماه أولا القاسم ، وقد فعله بعض الأنصار أيضا .

                                                                                                          السادس : أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقا ، سواء كان له كنية أم لا ، وجاء فيه حديث عن [ ص: 107 ] النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : تسمون أولادكم محمد ثم تلعنونهم . وكتب عمر إلى الكوفة : لا تسموا أحدا باسم نبي ، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذن لهم في ذلك وسماهم به ، فتركهم . قال القاضي : والأشبه أن فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث : تسمونهم محمدا ثم تلعنونهم . وقيل سبب نهي عمر أنه سمع رجلا يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب فعل الله بك يا محمد ، فدعاه عمر فقال : أرى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسب بك والله لا تدعى محمدا ما بقيت ، وسماه عبد الرحمن . انتهى كلام النووي . وقال القاري متعقبا على من ادعى النسخ ما لفظه : دعوى النسخ ممنوعة بل ينبغي أن يقال ينتفي الحكم بانتفاء العلة ، والعلة في ذلك الاشتباه وهو متعين في حال الحياة . انتهى .

                                                                                                          قلت : ودعوى انتفاء الحكم بانتفاء العلة مطلقا أيضا ممنوعة . قال العيني نقلا عن الخطابي : قد يحدث شيء من أمر الدين بسبب من الأسباب فيزول ذلك السبب ولا يزول حكمه ، كالعرايا والاغتسال للجمعة . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( بين اسمه وكنيته ) أي بين اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكنيته ( ويسمي ) بصيغة المعلوم عطف على يجمع .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر ) أخرجه الترمذي بعد هذا .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى .

                                                                                                          قوله : ( وقد كره بعض أهل العلم أن يجمع الرجل بين اسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكنيته ) واستدل بحديث أبي هريرة وحديث جابر المذكورين ( وقد فعل ذلك بعضهم ) أي جمع بين اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكنيته . قال الطحاوي : كان في زمن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعة كانوا متسمين بمحمد مكتنين بأبي القاسم ، منهم محمد بن طلحة ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة . قال العيني : ومن جملة من تسمى بمحمد وتكنى بأبي القاسم من أبناء وجوه الصحابة محمد بن جعفر بن أبي طالب ، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن حاطب ومحمد بن المنتشر ، ذكرهم البيهقي في سننه في باب من رخص الجمع بين التسمي بمحمد ، والتكني بأبي القاسم .




                                                                                                          الخدمات العلمية