الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 453 ] 546 - باب بيان مشكل ما اختلف القراء فيه من قراءتهم لقد كان لسبإ هل هو مما يدخله الإعراب ، فيكون كما قرأه من قرأه : لقد كان لسبإ في مسكنهم أو بخلاف ذلك من ترك دخول الإعراب إياه ، فيكون كما قرأه من قرأه : لقد كان لسبإ في مسكنهم

3378 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الله بن لهيعة ، قال : حدثنا ابن هبيرة ، عن علقمة بن وعلة السبائي ، عن ابن عباس ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو رجل ولد عشر قبائل ، فسكن اليمن ستة ، والشام أربعة ، فأما اليمانيون ، فمذحج وكندة ، والأزد والأشعرون ، وأنمار [ ص: 454 ] وحمير عربا كلها ، وأما الشاميون ، فلخم وجذام وعاملة وغسان .

3379 - وحدثنا محمد بن سليمان بن هشام الخزاز أبو جعفر ، قال : حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة ، عن الحسن بن الحكم النخعي ، قال : حدثنا أبو سفرة النخعي - هكذا هي في كتابي - وهكذا حفظتها عن محمد بن سليمان ، والناس يقولون : هو أبو سبرة النخعي ، عن فروة بن مسيك الغطفاني ، هكذا حدثناه ، وأهل العلم بالنسب يقولون : الغطيفي ، وهو حي من مراد ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل [ ص: 455 ] منهم ؟ قال : بلى ، ثم بدا لي فقلت : يا رسول الله ، لا بل أهل سبأ ، فهم أعز وأشد قوة ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن لي في قتال سبأ ، ولما خرجت من عنده أنزل الله عز وجل في سبأ ما أنزل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل الغطفاني ؟ فأرسل إلى منزلي ، فوجدني قد سرت فردني ، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال : ادع القوم ، فمن أجابك منهم فاقبل ، ومن لم فلا تعجل عليه حتى تحدث إلي ، فقال رجل من القوم : يا رسول الله ، وما سبأ ؟ أأرض هي أو امرأة ؟ قال : ليست بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فأما ستة ، فتيامنوا ، وأما أربعة ، فتشاءموا ، فأما الذين تشاءموا ، فلخم وجذام وغسان وعاملة ، وأما الذين تيامنوا : فالأزد وكندة وحمير والأشعريون وأنمار ومذحج ، فقال رجل : يا رسول الله ، وما أنمار ؟ قال : هم الذين منهم خثعم .

[ ص: 456 ] قال أبو جعفر : ولما تأملنا ذلك وجدنا في حديث محمد بن سليمان : لا بل أهل سبأ ، فعلمنا بذلك أن المراد بسبأ أرض فيها المنتسبون إلى سبأ ، ووجدنا ما هو فوق ذلك ، وهو قول الله في كتابه في حكايته عن الهدهد في قوله لسليمان صلى الله عليه وسلم : وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم ، فكان ذلك أيضا قد وكد أنهم سكان أرض تدعى سبأ ، واحتمل أن تكون سميت سبأ كما سميت القبائل في البلدان ، فقيل : همدان للقبيلة التي نزلتها همدان ، وقيل : مراد للقبيلة التي نزلتها مراد ، وقيل : حمير للقبيلة التي نزلتها حمير في أشباه ذلك ، فيحتمل أن يكون قيل : سبأ للقبيلة التي نزلها من يرجع بنسبه إلى سبأ ، فإن كان الاسم للأرض وجب أن لا يجرى ، وإن كان لسكانها ؛ لأنهم يرجعون بأنسابهم إلى سبأ الرجل الذي ولدهم فهم قبيلة ، فوجب أن يجرى فعاد الاختيار إلى قراءة من قرأها : لقد كان لسبأ لا إلى قراءة من قرأ : لقد كان لسبإ ، ثم نظرنا فيمن قرأها بإجراء الإعراب فيها ومن قرأها بترك إجراء الإعراب فيها من هم . ،

فوجدنا أحمد بن أبي عمران قد حدثنا ، قال : حدثنا خلف بن [ ص: 457 ] هشام ، قال : قرأ الأعمش : من سبأ بخفض سبأ وتنوينه ، وعاصم كمثل ، وحمزة كمثل ، ونافع كمثل ، وابن محيصن كمثل .

ووجدنا أحمد قد حدثنا ، قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا الخفاف ، عن سعيد ، عن قتادة : من سبإ كمثل ، ويجعله رجلا ، قال : وابن كثير يقرأ : من سبأ بنصب ، وأبو عمرو كمثل .

ووجدنا أحمد قد حدثنا ، قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا الخفاف ، عن إسماعيل ، عن الحسن كمثل ، ويجعلها أرضا .

ووجدنا أحمد قد حدثنا قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا الخفاف ، يعني عن هارون ، عن عبد الله بن أبي إسحاق لا يصرفه كمثل .

ووجدنا ولادا النحوي قد حدثنا ، قال : حدثنا المصادري ، عن أبي عبيدة : لقد كان لسبأ في مساكنهم فمن نون جعله أبا للقبيلة ، ومن لم ينون جعلها أرضا .

[ ص: 458 ] ووجدنا الفراء قد ذكر عن الرؤاسي أنه سأل أبا عمرو بن العلاء : كيف لم تجر سبأ ؟ قال : لست أدري ما هو ، قال الفراء : وقد ذهب مذهبا إذ لم يدر ما هو ، وذكر أن العرب إذا سمت بالاسم المجهول تركوا إجراءه .

قال أبو جعفر : وقد ذهب عن أبي عمرو ما قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم مما قد رواه عنه ابن عباس ، وفروة بن مسيك الغطفاني ، فأما الاختيار عندنا في القراءة في هذا فهو قراءة أبي عمرو ، ومن وافقه ممن ذكرنا موافقته إياه عليه ؛ لأنه وإن كان رجلا فقد عاد إلى أن صار قبيلة كما قيل : ثمود ، وهو رجل فلم يجر ، ورد إلى القبيلة ، فمثل ذلك سبأ لما رد إلى القبيلة كان مثل ذلك في انتفاء الجر عنه ، وكذلك كان أبو عبيد يذهب إليه في ذلك كما ذكره لنا عبد العزيز عنه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية