الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الحبس

هو مشروع بقوله تعالى { أو ينفوا من الأرض } { وحبس عليه الصلاة والسلام رجلا بالتهمة في المسجد } [ ص: 377 ] وأحدث السجن علي رضي الله تعالى عنه بناه من قصب وسماه نافعا فنقبه اللصوص فبنى غيره من مدر وسماه مخيسا بفتح الياء وتكسر موضع التخسيس وهو التذليل وفيه يقول علي رضي الله عنه :

ألا تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا     حصنا حصينا وأمينا كيسا

( صفته أن يكون بموضع ليس به فراش ولا وطاء ) ليضجر فيوقى ومفاده أنه لو جيء له به منع منه ( ولا يمكن أحد أن يدخل عليه للاستئناس إلا أقاربه وجيرانه ) لاحتياجه للمشاورة ( ولا يمكثون عنده طويلا ) ومفاده أن زوجته لا تحبس معه لو هي الحابسة له وهو الظاهر ، وفي الملتقى يمكن [ ص: 378 ] من وطء جاريته لو فيه خلوة ( ولا يخرج لجمعة ولا جماعة ولا لحج فرض ) فغيره أولى ( ولا لحضور جنازة ولو ) كان ( بكفيل ) زيلعي وفي الخلاصة يخرج بكفيل الجنازة أصوله وفروعه ولا غيرهم وعليه الفتوى .

التالي السابق


فصل في الحبس هو من أحكام القضاء إلا أنه لما اختص بأحكام كثيرة أفرده بفصل على حدة نهر ، وهو لغة المنع مصدر حبس كضرب ، ثم أطلق على الموضع ، وترجم المصنف له وزاد فيه مسائل أخر من أحكام القضاء ذكرها في الهداية في فصل على حدة ، فكان الأولى أن يقول في الحبس وغيره كما قال في باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره .

( قوله : هو مشروع إلخ ) أراد أنه مشروع بالكتاب والسنة زاد الزيلعي والإجماع ; لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا عليه .

( قوله : { أو ينفوا من الأرض } ) فإن المراد بالنفي الحبس كما تقدم في قطاع الطريق ا هـ ح [ ص: 377 ] قوله وأحدث السجن علي ) أي أحدث بناء سجن خاص فلا ينافي ما قالوا أيضا من أنه لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سجن ، إنما كان يحبس في المسجد أو الدهليز حتى اشترى عمر رضي الله تعالى عنه دارا بمكة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا .

( قوله : من مدر ) بالتحريك قطع الطين اليابس والحجارة كما في القاموس .

( قوله : بفتح الياء ) أي المثناة التحتية مشددة والعجب مما في البحر والنهر والمنح من ضبطه بالتاء المثناة الفوقية وقد ذكره في القاموس في الأجوف اليائي فقال : المحيس كمعظم السجن وسجن بناه علي رضي الله تعالى عنه .

( قوله : كيسا ) قال في المصباح الكيس وزان فلس الظرف والفطنة وقال ابن الأعرابي العقل ويقال إنه مخفف من كيس مثل هين وهين والأول أصح ; لأنه مصدر من كاس كيسا من باب باع وأما المثقل فاسم فاعل والجمع أكياس مثل جيد وأجياد ا هـ . وفي الفتح : الكيس أي مخففا حسن التأني في الأمور والكيس المنسوب إليه الكيس ا هـ .

( قوله : وأمينا ) أراد به السجان الذي نصبه فيه ، فتح وعليه فعطفه على ما قبله نظيره علفتها تبنا وماء باردا فيراد بقوله : بنيت اتخذت وما قيل من أنه يصح كونه وصفا لمخيسا كالذي قبله لا يناسبه قول كيسا فافهم .

( قوله : صفته ) الضمير للحبس بالمعنى المصدري ، فلذا قال أن يكون بموضع أي في موضع فافهم .

( قوله : ولا وطاء ) على وزن كتاب المهاد الوطيء مصباح ، وفيه والمهد والمهاد الفراش وفي القاموس عن الكسائي أن الوطاء خلاف الغطاء . قلت : فإن أريد به المهاد الوطيء أي اللين السهل فهو أخص مما قبله وكذا إن أريد به ما ينام عليه وهو خلاف الغطاء .

( قوله : ومفاده ) أي مفاد قوله ليضجر .

( قوله : ولا يمكن ) بالبناء للمجهول مع التشديد .

( قوله : ولا يمكثون عنده طويلا ) أي بحيث يحصل له الاستئناس بهم بل بقدر ما يحصل به المقصود من المشاورة مطلب لا تحبس زوجته معه لو حبسته .

( قوله : ومفاده ) أي مفاد قوله للاستئناس وفي النهر وإذا احتاج للجماع دخلت عليه زوجته أو أمته إن كان فيه موضع سترة وفيه دليل على أن زوجته لا تحبس معه لو كانت هي الحابسة له وهو الظاهر ا هـ وأنت خبير بأن الاستدلال على المسألة بما قاله الشارح أولى مما في النهر ; لأن عدم دخول أحد عليه للاستئناس أصرح بعدم حبسها معه إذ في حبسها معه غاية الاستئناس له مع كون المقصود من ذلك الضجر ليوفي دينه ، وإذا كانت هي الحابسة له وقلنا بجواز حبسها معه لا يحصل المقصود بل يحصل ضده وهو ضجرها لتخرجه من الحبس حتى تخرج معه ، ففي ذلك أيضا دليل على أنها لا تحبس معه لو هي الحابس ، وليس فيما قاله في النهر ما يدل على ذلك أيضا فلذا عدل الشارح عن كلام النهر ، فقد ظهر أنه ليس في عدوله عنه خلل بل خلل في متابعته له فافهم ثم إن المقصود بهذا الرد على من قال إنها تحبس معه وفي البحر عن الخلاصة : فإذا حبست المرأة زوجها ، لا تحبس معه وفيه عن البزازية ، وغيرها إذا خيف عليها الفساد استحسن المتأخرون أن تحبس معه ا هـ . [ ص: 378 ] وحاصله أنها إذا حبسته وكانت من أهل الفساد ويخشى عليها فعل ذلك إذا لم يكن مراقبا لها يكون مظنة أن حبسها له لأجل ذلك لا لمجرد استيفاء حقها منه ، فله حبسها معه ، أما إذا لم تكن كذلك فلا وجه لحبسها معه وهذا محمل ما في الخلاصة .

( قوله : من وطء جاريته ) وكذا زوجته كما مر وقيل يمنع من ذلك ; لأن الوطء ليس من الحوائج الأصلية فتح .

( قوله : وفي الخلاصة يخرج بكفيل ) هذا هو الصواب في نقل عبارة الخلاصة ونقل عنها في البحر يخرج الكفيل فكأنه سقطت الباء من نسخته كما نبه عليه في النهر ، وكذا الرملي وقال أيضا : والعجب أن البزازي وقع في ذلك فقال وذكر القاضي أن الكفيل يخرج لجنازة الوالدين إلخ الذي في فتاوى القاضي يعني قاضي خان يخرج بالكفيل .

( قوله : وعليه الفتوى ) قال في الفتح : وفيه نظر ; لأنه إبطال حق آدمي بلا موجب نعم إذا لم يكن من يقوم بحقوق دفنه فعل ذلك وسئل محمد عما إذا مات والداه أيخرج ؟ فقال لا ا هـ . وحاصله أن ما في الخلاصة مخالف لنص محمد رحمه الله تعالى قال في البحر : وقد يدفع بأن نص محمد في المديون أصالة والكلام في الكفيل ا هـ . وهذا بناء على ما وقع له في نسخة الخلاصة من التحريف على أنه لا يظهر الفرق بين المديون وكفيله كما قاله المصنف في المنح




الخدمات العلمية