الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر هذا العذاب ذكر ظرفه فقال: يوم ترجف أي تضطرب وتتزلزل زلزالا شديدا الأرض أي كلها والجبال التي هي أشدها. ولما كان التقدير: فكانت الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، عطف عليه قوله: وكانت الجبال أي التي هي مراسي الأرض وأوتادها، وعبر عن شدة الاختلاط والتلاشي بالتوحيد فقال: كثيبا أي رملا مجتمعا، فعيل بمعنى [ ص: 22 ] مفعول، من كثبه - إذا جمعه، ومادة كثب [بتركيبها كثب - ] وكبث تدور على الجمع مع القرب، وتلزمه القلة، فإن حقيقة القرب قلة المسافة زمانا أو مكانا، والنعومة، من كثبت التراب: درسته، وكثب عليه - بمعنى حمل أو كر، معناه قارب أن يخالطه، وكثيب الرمل: قطعة تنقاد محدودبة - ناظر إلى القلة من معنى قطعة، وكل ما انصب كذلك أيضا لأن الانصباب عادة يكون لما قل وأما نعم كثاب بتقديم الثاء وبتأخيرها أيضا أي كثير فجاءته الكثرة من الصيغة، والكاثبة من الفرس هو أضيق موضع في عرضها، والكثبة من الأرض: المطمئنة بين الجبال - لأنها تكون صغيرة غالبا، والكباث كسحاب: النضيج من ثمر الأراك، وقيل: ما لم ينضج، وقيل: حمله إذا كان متفرقا، فإن أريد النضيج منه فتسميته به لأنه مجتمع، وإن أريد ما لم ينضج فهو من مقاربة النضج، وإن أريد المتفرق فلقرب بعضه [ ص: 23 ] من بعض لأن الأراك نفسه صغير الشجر، وكبث اللحم - كفرح: بات مغموما فتغير أو أروح أي جمع على إنائه الذي هو فيه إناء آخر، أو جمع ما هو فيه حتى تضايق فهو من الجمع لهذا، وأما الكنبث كقنفذ والثاء مؤخرة: الصلب الشديد، فهو في الغالب من تجمع أجزائه وتداخل بعضها في بعض، وتكبيث السفينة أن تجنح إلى الأرض، هو من الجمع والقرب معا، وأما كثبت كنانته - بمعنى نكثها، فكان فعل استعمل هنا للإزالة، أي أزال اجتماعها أو بمعنى أنه قربها من رميه بتسييرها لسرعة التناول.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الكثيب ربما أطلق مجازا على ما ارتفع وإن لم يكن ناعما قال: مهيلا أي رملا سائلا رخوا لينا منثورا، من هاله - إذا نثره، وقال الكلبي: هو الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية