الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 406 ] 189 - الحديث الخامس : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ، ومنا المفطر قال : فنزلنا منزلا في يوم حار ، وأكثرنا ظلا : صاحب الكساء . ومنا من يتقي الشمس بيده . قال : فسقط الصوام ، وقام المفطرون فضربوا الأبنية . وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر . }

                                        التالي السابق


                                        أما قوله " فمنا الصائم ومنا المفطر " فدليل على جواز الصوم في السفر ووجه الدلالة : تقرير النبي للصائمين على صومهم .

                                        وأما قوله صلى الله عليه وسلم " ذهب المفطرون اليوم بالأجر " ففيه أمران :

                                        أحدهما : أنه إذا تعارضت المصالح . قدم أولاها وأقواها .

                                        والثاني : أن قوله رضي الله عنه " ذهب المفطرون اليوم بالأجر " فيه وجهان :

                                        أحدهما : أن يراد بالأجر أجر تلك الأفعال التي فعلوها ، والمصالح التي جرت على أيديهم . ولا يراد مطلق الأجر على سبيل العموم .

                                        والثاني : أن يكون أجرهم قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوم فتحصل المبالغة بسبب ذلك . ويجعل كأن الأجر كله للمفطر . وهذا قريب مما يقوله بعض الناس في إحباط الأعمال الصالحة ببعض الكبائر ، وأن ثواب ذلك العمل صار مغمورا جدا بالنسبة إلى ما يحصل من عقاب الكبيرة ، فكأنه كالمعدوم المحبط ، وإن كان الصوم ههنا ليس من المحبطات ، ولكن المقصود : التشبيه في أن ما قل جدا قد يجعل كالمعدوم مبالغة . وهذا قد يوجد مثله في التصرفات الوجودية ، وأعمال الناس في مقابلتهم حسنات من يفعل معهم منها شيئا بسيئاته ، ويجعل اليسير منها جدا كالمعدوم بالنسبة إلى الإحسان والإساءة ، كحجامة الأب لولده في دفع المرض الأعظم عنه . فإنه يعد محسنا مطلقا . ولا يعد مسيئا بالنسبة إلى إيلامه بالحجامة ، ليسارة ذلك الألم بالنسبة إلى [ ص: 407 ] دفع المرض الشديد .




                                        الخدمات العلمية