الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق

                                                                                                                                                                                                        2855 حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رهطا من عكل ثمانية قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة فقالوا يا رسول الله ابغنا رسلا قال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا وسمنوا وقتلوا الراعيواستاقوا الذود وكفروا بعد إسلامهم فأتى الصريخ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب فما ترجل النهار حتى أتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا قال أبو قلابة قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وسعوا في الأرض فسادا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب ( فإما منا بعد وإما فداء ) فيه حديث ثمامة ) كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة إسلام ثمامة بن أثال ، وستأتي موصولة مطولة في أواخر كتاب المغازي ، والمقصود منها هنا قوله فيه " إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت " فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم من عليه بعد ذلك ، فكان في ذلك تقوية لقول الجمهور : أن الأمر في أسرى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين . وقال الزهري ومجاهد وطائفة : لا يجوز أخذ الفداء من أسارى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء : لا تقتل الأسارى ، بل يتخير بين المن والفداء . وعن مالك : لا يجوز المن بغير فداء . وعن الحنفية : لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره ، فيرد الأسير حربيا . قال الطحاوي : وظاهر الآية حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة ، لكن في قصة ثمامة ذكر القتل .

                                                                                                                                                                                                        وقال أبو بكر الرازي : احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى لولا كتاب من الله سبق الآية ، ولا حجة لهم لأن ذلك كان قبل حل الغنيمة ، فإن فعله بعد إباحة الغنيمة فلا كراهة انتهى . وهذا هو الصواب ، فقد حكى ابن القيم في الهدي اختلافا : أي الأمرين أرجح ؟ ما أشار به أبو بكر من أخذ الفداء ، أو ما أشار به عمر من القتل ؟ فرجحت طائفة رأي عمر لظاهر الآية ولما في القصة من حديث عمر من قول النبي صلى الله عليه وسلم " أبكي لما عرض على أصحابك من العذاب لأخذهم الفداء " ورجحت طائفة رأي أبي بكر لأنه الذي استقر عليه الحال حينئذ ، ولموافقة رأيه الكتاب الذي سبق ، ولموافقة حديث " سبقت رحمتي غضبي " ولحصول الخير العظيم بعد من دخول كثير منهم في الإسلام والصحبة ومن ولد لهم من كان ومن تجدد ، إلى غير ذلك مما يعرف بالتأمل . وحملوا التهديد بالعذاب على من اختار الفداء ، فيحصل عرض الدنيا مجردا وعفا الله عنهم ذلك . وحديث عمر المشار إليه في هذه القصة أخرجه أحمد مطولا وأصله في صحيح مسلم بالسند المذكور .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقوله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض - يعني يغلب في الأرض - تريدون عرض الدنيا الآية ) كذا وقع في رواية أبي ذر وكريمة ، وسقط للباقين ، وتفسير يثخن بمعنى يغلب قاله أبو عبيدة وزاد : ويبالغ . وعن مجاهد : الإثخان القتل ، وقيل المبالغة فيه ، وقيل معناه : حتى يتمكن في الأرض . وأصل الإثخان في اللغة الشدة والقوة . وأشار المصنف بهذه الآية إلى قول مجاهد وغيره [ ص: 177 ] ممن منع أخذ الفداء من أسارى الكفار ، وحجتهم منها أنه تعالى أنكر إطلاق أسرى كفار بدر على مال فدل على عدم جواز ذلك بعد ، واحتجوا بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال فلا يستثنى من ذلك إلا من يجوز أخذ الجزية منه ، وقال الضحاك : بل قوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء ناسخ لقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال أبو عبيد : لا نسخ في شيء من هذه الآيات بل هي محكمة ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم عمل بما دلت عليه كلها في جميع أحكامه : فقتل بعض الكفار يوم بدر ، وفدى بعضا ، ومن على بعض . وكذا قتل بني قريظة ، ومن على بني المصطلق ، وقتل ابن خطل وغيره بمكة ومن على سائرهم . وسبى هوازن ومن عليهم . ومن على ثمامة بن أثال . فدل كل ذلك على ترجيح قول الجمهور إن ذلك راجع إلى رأي الإمام . ومحصل أحوالهم تخيير الإمام بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها منه أو القتل أو الاسترقاق أو المن بلا عوض أو بعوض ، هذا في الرجال ، وأما النساء والصبيان فيرقون بنفس الأسر ، ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم أو مسلمة عند الكفار ، ولو أسلم الأسير زال القتل اتفاقا ، وهل يصير رقيقا أو تبقى بقية الخصال ؟ قولان للعلماء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب هل للأسير أن يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة ؟ فيه المسور عن النبي صلى الله عليه وسلم ) يشير بذلك إلى قصة أبي بصير ، وقد تقدم بسطها في أواخر الشروط ، وهي ظاهرة فيما ترجم له ، وهي من مسائل الخلاف أيضا ، ولهذا لم يبت الحكم فيها ، قال الجمهور : إن ائتمنوه يف لهم بالعهد ، حتى قال مالك : لا يجوز أن يهرب منهم . وخالفه أشهب فقال : لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله . وقال أبو حنيفة والطبري : إعطاؤه العهد على ذلك باطل ، ويجوز له أن لا يفي لهم به . وقال الشافعية : يجوز أن يهرب من أيديهم ، ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم . قالوا : وإن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك ، وليس في قصة أبي بصير تصريح بأنه كان بينه وبين من تسلمه ليرده إلى المشركين عهد ، ولهذا تعرض للقتل ، فقتل أحد الرجلين وانفلت الآخر ، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم مستوفى .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 178 ] قوله : ( باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق ) ؟ أي جزاء بفعله . هذه الترجمة تليق أن تذكر قبل بابين ، فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ، ويؤيد ذلك أنهما سقطا جميعا للنسفي ، وثبت عنده ترجمة " إذا حرق المشرك " تلو ترجمة ( ولا يعذب بعذاب الله ، وكأنه أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله " لا يعذب بعذاب الله " بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .

                                                                                                                                                                                                        وقد أورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة العرنيين ، وليس فيه التصريح بأنهم فعلوا ذلك بالرعاء لكنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه ، وذلك فيما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أنس قال : إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء ، قال ابن بطال : ولو لم يرد ذلك لكان أخذ ذلك من قصة العرنيين بطريق الأولى ، لأنه جاز سمل أعينهم وهو تعذيب بالنار ولو لم يفعلوا ذلك بالمسلمين فجوازه إن فعلوه أولى . وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الطهارة في " باب أبوال الإبل ، وهو في أواخر أبواب الوضوء قبيل كتاب الغسل . وقوله " حدثنا معلى " بضم الميم وهو ابن أسد ، وثبت كذلك في رواية الأصيلي وآخرين . وقوله فيه " أبغنا رسلا " أي أعنا على طلبه ، والرسل بكسر الراء الدر من اللبن . ( والذود ) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة : الثلاث من الإبل إلى العشرة ، ( والصريخ ) صوت المستغيث . ( وترجل ) بالجيم : أي ارتفع .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية