الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      باب من الاستثناء

                                                                                                                                                                                                                      70- (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) منصوبة لأنه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 123 ] "لكن" خارجا من أول الكلام إنما يريد "لكن أماني" و"لكنهم يتمنون". وإنما فسرناه بـ "لكن" لنبين خروجه من الأول. ألا ترى أنك إذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعا من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل]: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) : (إلا ابتغاء وجه ربه) وقال: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) وقال: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا) يقول: "فهلا كان منهم من ينهى" ثم قال: "ولكن قليلا منهم من ينهى" ثم قال "ولكن قليل منهم قد نهوا" فلما جاء مستثنى خارجا من الأول انتصب. ومثله: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس) يقول: "فهلا" كانت ثم قال: "ولكن قوم يونس" فـ "إلا" تجيء في معنى "لكن". وإذا عرفت أنها في معنى "لكن" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله. وقد يكون: (إلا قوم يونس) رفعا، تجعل "إلا" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانت قرية آمنت غير قرية قوم يونس" ومثلها: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فقوله: (إلا الله) صفة؛ لولا ذلك لانتصب لأنه مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام.

                                                                                                                                                                                                                      وكل مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز إلقاؤه لو قلت "لو كان فيهما آلهة لفسدتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله: "ما مر بي أحد إلا زيدا مثلك". قال الشاعر [ ذو الرمة ] فيما هو صفة:


                                                                                                                                                                                                                      (97) أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة قليل بها الأصوات إلا بغامها

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 124 ] وقال: [ حضرمي بن عامر الأسدي ]:


                                                                                                                                                                                                                      (98) وكل أخ مفارقه أخوه     لعمر أبيك إلا الفرقدان

                                                                                                                                                                                                                      ومثل المنصوب الذي في معنى "لكن" قول الله عز وجل: (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا) وهو في الشعر كثير وفي الكلام. قال الفرزدق :


                                                                                                                                                                                                                      (99) وما سجنوني غير أني ابن غالب     وأني من الأثرين غير الزعانف

                                                                                                                                                                                                                      يقول: "ولكنني"، وهو مثل قولهم: "ما فيها أحد إلا حمارا" لما كان ليس من أول الكلام جعل على معنى "لكن" ومثله: [قال عمرو بن الأيهم التغلبي ]:


                                                                                                                                                                                                                      (100) ليس بيني وبين قيس عتاب     غير طعن الكلى وضرب الرقاب

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: [ النابغة الذبياني ]:


                                                                                                                                                                                                                      (101) حلفت يمينا غير ذي مثنوية     ولا علم إلا حسن ظن بغائب

                                                                                                                                                                                                                      وبصاحب.

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية