الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 94 ] فصل

                                خرج البخاري ومسلم :

                                24 24 - من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء ، فقال : " دعه ; فإن الحياء من الإيمان " .

                                التالي السابق


                                هذا المعنى مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة ، وقد سبق حديث أبي هريرة " الحياء شعبة من الإيمان " .

                                والحياء نوعان :

                                أحدهما : غريزي ، وهو خلق يمنحه الله العبد ويجبله عليه ، فيكفه عن ارتكاب القبائح والرذائل ، ويحثه على فعل الجميل . وهو من أعلى مواهب الله للعبد ، فهذا من الإيمان باعتبار أنه يؤثر ما يؤثره الإيمان من فعل الجميل ، والكف عن القبيح .

                                وربما ارتقى صاحبه بعده إلى درجة الإيمان ، فهو وسيلة إليه ، كما قال عمر : من استحيا اختفى ، ومن اختفى اتقى ، ومن اتقى وقي .

                                وقال بعض التابعين : تركت الذنوب حياء أربعين سنة ، ثم أدركني الورع .

                                وقال ابن سمعون : رأيت المعاصي نذالة ، فتركتها مروءة ، فاستحالت ديانة .

                                والنوع الثاني : أن يكون مكتسبا ; إما من مقام الإيمان كحياء العبد من مقامه بين يدي الله يوم القيامة ، فيوجب له ذلك الاستعداد للقائه . أو من مقام الإحسان ، كحياء العبد من اطلاع الله عليه وقربه منه ، فهذا من أعلى خصال الإيمان .

                                وفي حديث مرسل " استحي من الله كما تستحيي من رجلين من صالحي [ ص: 95 ] عشيرتك لا يفارقانك " . وروي موصولا .

                                وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كشف العورة خاليا ، فقال : " الله أحق أن يستحيا منه " .

                                وفي حديث ابن مسعود المرفوع " الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وأن تذكر الموت والبلى . ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " .

                                خرجه الترمذي وغيره .

                                وخرج البخاري في " تفسيره " عن ابن عباس في قوله تعالى : ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه إنها نزلت في قوم كانوا يجامعون نساءهم ، ويتخلون فيستحيون من الله ، فنزلت الآية .

                                وكان الصديق يقول : استحيوا من الله ; فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياء من ربي عز وجل .

                                [ ص: 96 ] وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل .

                                قال بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك ، واستحي منه على قدر قربه منك .

                                وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة النعم ، فيستحيي العبد من الله أن يستعين بنعمته على معاصيه ، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان .



                                الخدمات العلمية