فصل ويستدل بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فاغسلوا وجوهكم الآية ، على بطلان قول القائلين بإيجاب
nindex.php?page=treesubj&link=60الترتيب في الوضوء ، وعلى أنه جائز تقديم بعضها على بعض على ما يرى المتوضئ ؛ وهو قول أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ( لا يجزيه غسل الذراعين قبل الوجه ولا غسل الرجلين قبل الذراعين ) . وهذا القول مما خرج به
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن إجماع
السلف والفقهاء وذلك لأنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وعبد الله nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة : ( ما أبالي بأي أعضائي بدأت إذا أتممت وضوئي ) ، ولا يروى عن أحد من
السلف والخلف فيما نعلم مثل قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية ، يدل من ثلاثة أوجه على سقوط فرض الترتيب :
أحدها مقتضى ظاهرها جواز الصلاة بحصول الغسل من غير شرط الترتيب ؛ إذ كانت ( الواو ) ههنا عند أهل اللغة لا توجب الترتيب ؛ قاله
المبرد وثعلب جميعا ، وقالوا : إن قول القائل : ( رأيت زيدا وعمرا ) بمنزلة قوله : ( رأيت الزيدين ورأيتهما ) وكذلك هو في عادة أهل اللفظ ، ألا ترى أن من سمع قائلا يقول : ( رأيت زيدا وعمرا ) لم يعتقد في خبره أنه رأى زيدا قبل عمرو ، بل يجوز أن يكون رآهما معا ، وجائز أن يكون رأى عمرا قبل زيد ؟ فثبت بذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=20928 ( الواو ) لا توجب الترتيب . وقد أجمعوا جميعا أيضا في رجل لو قال : (
nindex.php?page=treesubj&link=7559_27330إذا دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر وعلي صدقة ) أنه إذا دخل الدار لزمه
[ ص: 369 ] ذلك كله في وقت واحد ، لا يلزمه أحدها قبل الآخر ؛ كذلك هذا .
ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=856260لا تقولوا ما شاء الله وشئت ولكن قولوا ما شاء الله ثم شئت فلو كانت ( الواو ) توجب الترتيب لجرت مجرى ( ثم ) ولما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما . وإذا ثبت أنه ليس في الآية إيجاب الترتيب فموجبه في الطهارة مخالف لها وزائد فيها ما ليس منها ، وذلك يوجب نسخ الآية عندنا لحظره ما أباحته ؛ ولم يختلفوا أنه ليس في هذه الآية نسخ ، فثبت جواز فعله غير مرتب .
والوجه الثاني من دلالة الآية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الرجل مغسولة معطوفة في المعنى على الأيدي ، وأن تقديرها : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برءوسكم ؛ فثبت بذلك أن ترتيب اللفظ على هذا النظام غير مراد به ترتيب المعنى .
والوجه الثالث : قوله في نسقها :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وهذا الفصل يدل من وجهين على سقوط الترتيب :
أحدهما : نفيه الحرج ، وهو الضيق فيما تعبدنا به من الطهارة ، وفي إيجاب الترتيب إثبات للحرج ونفي التوسعة .
والثاني : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ولكن يريد ليطهركم فأخبر أن مراده حصول الطهارة بغسل هذه الأعضاء ، ووجود ذلك مع عدم الترتيب كهو مع وجوده ؛ إذ كان مراد الله تعالى الغسل .
فإن قيل على الفصل الأول : نحن نسلم لك أن ( الواو ) لا توجب الترتيب ، ولكن الآية قد اقتضت إيجابه من حيث كانت الفاء للتعقيب ، ولا خلاف بين أهل اللغة فيه ، فلما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم لزم بحكم اللفظ أن يكون الذي يلي حال القيام إليها غسل الوجه ؛ لأنه معطوف عليه بالفاء ، فلزم به تقديم غسله على سائر الأعضاء ، وإذا لزم الترتيب في غسل الوجه لزم في سائر الأعضاء لأن أحدا لم يفرق بينهما .
قيل له : هذا غير واجب من وجهين :
أحدهما : أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة متفق على أنه ليس المراد به حقيقة اللفظ لأن الحقيقة تقتضي إيجاب الوضوء بعد القيام إلى الصلاة ؛ لأنه جعله شرطا فيه فأطلق ذكر القيام وأراد به غيره ، ففيه ضمير على ما بينا فيما تقدم ؛ وما كان هذا سبيله فغير جائز استعماله إلا بقيام الدلالة عليه ؛ إذ كان مجازا ؛ فإذا لا يصح إيجاب غسل الوجه مرتبا على المذكور في الآية لأجل إدخال الفاء عليه ؛ إذ كان المعنى الذي ترتب عليه الغسل موقوفا على الدلالة ؛ فهذا وجه يسقط به سؤال هذا السائل .
والوجه الآخر : أن نسلم لهم جواز اعتبار هذا اللفظ فيما يقتضيه من الترتيب ، فنقول لهم :
[ ص: 370 ] إذا ثبت أن ( الواو ) لا توجب الترتيب صار تقدير الآية : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء فيصير الجميع مرتبا على القيام وليس يختص به الوجه دون سائرها ؛ إذ كانت ( الواو ) للجميع ، فيصير كأنه عطف الأعضاء كلها مجموعة بالفاء على حال القيام ، فلا دلالة فيه على الترتيب ، بل تقتضي إسقاط الترتيب . ويدل على سقوط الترتيب قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا ومعناه : مطهرا ؛ فحيثما وجد ينبغي أن يكون مطهرا مستوفيا لهذه الصفة التي وصفه الله بها ؛ وموجب الترتيب قد سلبه هذه الصفة إلا مع وجود معنى آخر غيره ، وهذا غير جائز . ويدل عليه من جهة السنة حديث
رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأعرابي حين علمه الصلاة وقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=63825إنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ويحمد الله ذكر الحديث ؛ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا وضع الوضوء مواضعه أجزأه ، ومواضع الوضوء الأعضاء المذكورة في الآية ، فأجاز الصلاة بغسلها من غير ذكر الترتيب ، فدل على أن غسل هذه الأعضاء يوجب كمال طهارته لوضعه الوضوء مواضعه .
فإن قيل : إذا لم يرتب فلم يضع الوضوء مواضعه .
قيل له : هذا غلط ؛ لأن مواضع الوضوء معلومة مذكورة في الكتاب ، فعلى أي وجه حصل الغسل فقد وضع الوضوء مواضعه فيجزيه بحكم النبي صلى الله عليه وسلم بإكمال طهارته إذا فعل ذلك . ويدل عليه من جهة النظر اتفاق الجميع على جواز طهارته لو بدأ من المرفق إلى الزند ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وأيديكم إلى المرافق فلما لم يجب الترتيب فيما هو مرتب في مقتضى حقيقة اللفظ فما لم يقتض اللفظ ترتيبه أحرى أن يجوز ، وهذه دلالة ظاهرة لا يحتاج معها إلى ذكر علة يجمعها ؛ لأنه قد ثبت بما وصفنا أن المقصد فيه ليس الترتيب ؛ إذ لو كان كذلك لكان ما اقتضى اللفظ ترتيبه أولى أن يكون مرتبا . وأيضا يجوز أن يقاس عليهما بأنهما جميعا من أعضاء الطهارة ، فلما سقط الترتيب في أحدهما وجب سقوطه في الآخر .
وأيضا لما لم يجب الترتيب بين الصلاة والزكاة ، إذ كل واحدة منهما يجوز سقوطها مع ثبوت فرض الأخرى ، كان كذلك الترتيب في الوضوء لجواز سقوط فرض غسل الرجلين لعلة بهما مع لزوم فرض غسل الوجه . وأيضا لما لم يستحل جمع هذه الأعضاء في الغسل وجب أن لا يجب فيها الترتيب كالصلاة والزكاة ، وقد روي عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=666345 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان أنه توضأ فغسل وجهه ثم يديه ثم غسل رجليه ثم مسح ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ . فإن احتجوا بما روي
[ ص: 371 ] أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=62863النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال : هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به . قيل له : ليس في هذا الخبر ذكر الترتيب وإنما هو حديث
زيد العمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=62863هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ثم توضأ مرتين مرتين ، وذكر الحديث ، فلم يذكر فيه أنه فعله مرتبا ؛ وليس يمتنع أن يكون قد بدأ بالذراعين قبل الوجه أو بمسح الرأس قبله ، ومن ادعى أنه فعله مرتبا لم يمكنه إثباته إلا برواية .
فإن قيل : كيف يجوز أن يتأول عليه ترك الترتيب مع قولك إن المستحب فعله مرتبا ؟ قيل له جائز أن يترك المستحب إلى غيره مما هو مباح ، ومع ذلك فيجوز أن يكون فعله غير مرتب على وجه التعليم ، كما أنه أخر المغرب في حال على وجه التعليم والمستحب تقديمها في سائر الأوقات .
فإن قيل : فإن لم يكن فعله مرتبا فواجب أن يكون فعله غير مرتب واجبا ، لقوله : ( هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ) . قيل له : لو قبلنا ذلك وقلنا مع ذلك إن اللفظ يقتضي وجوب فعله على ما أشار به إليه من عدم ترتيب الفعل لكنا أجزناه مرتبا بدلالة تسقط سؤالك ، ولكنا نقول إن قوله : ( هذا وضوء ) إنما هو إشارة إلى الغسل دون الترتيب ، فلذلك لم يكن للترتيب فيه مدخل . فإن احتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد
الصفا وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663160نبدأ بما بدأ الله به وذلك عموم في ترتيب الحكم به واللفظ جميعا .
قيل له : هذا يدل على أن ( الواو ) لا توجب الترتيب ؛ لأنها لو كانت توجبه لما احتاج إلى تعريفه الحاضرين وهم أهل اللسان ، ولا دلالة فيه مع ذلك على وجوب الترتيب في
الصفا والمروة فكيف به في غيره لأن أكثر ما فيه أنه إخبار عما يريد فعله من التبدئة بالصفا ، وإخباره عما يريد فعله لا يقتضي وجوبا ، كما أن فعله لا يقتضي الإيجاب ؛ وعلى أنه لو اقتضى الإيجاب لكان حكمه مقصورا على ما أخبر به وفعله دون غيره .
فإن قيل : قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663160نبدأ بما بدأ الله به إخبار بأن ما بدأ الله به في اللفظ فهو مبدو به في المعنى ، لولا ذلك لم يقل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663160نبدأ بما بدأ الله به إنما أراد التبدئة به في الفعل ، فتضمن ذلك إخبارا بأن الله قد بدأ به في الحكم من حيث بدأ به في اللفظ . قيل له : ليس هذا كما ظننت ، من قبل أنه يجوز أن يقول : نبدأ بالفعل فيما بدأ الله به في اللفظ ، فيكون كلاما صحيحا مفيدا .
وأيضا لا يمتنع عندنا أن يريد بترتيب اللفظ ترتيب الفعل ، إلا أنه لا يجوز إيجابه إلا بدلالة ، ألا ترى أن ( ثم ) حقيقتها التراخي ، وقد ترد وتكون في معنى ( الواو ) كقوله تعالى :
[ ص: 372 ] nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا ومعناه : وكان من الذين آمنوا ؛ وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=46ثم الله شهيد ومعناه : والله شهيد ؛ وكما تجيء ( أو ) بمعنى ( الواو ) كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ومعناه : إن يكن غنيا وفقيرا ؛ فكذلك لا يمتنع أن يريد بالواو الترتيب فتكون مجازا ولا يجوز حملها عليه إلا بدلالة
فَصْلٌ وَيُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ ، عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=60التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ ، وَعَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ تَقْدِيمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عَلَى مَا يَرَى الْمُتَوَضِّئُ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثِ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : ( لَا يُجْزِيهِ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ وَلَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ ) . وَهَذَا الْقَوْلُ مِمَّا خَرَجَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَنْ إِجْمَاعِ
السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ : ( مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ إِذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي ) ، وَلَا يُرْوَى عَنْ أَحَدٍ مِنَ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيمَا نَعْلَمُ مِثْلُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ ، يَدُلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ التَّرْتِيبِ :
أَحَدُهَا مُقْتَضَى ظَاهِرِهَا جَوَازُ الصَّلَاةِ بِحُصُولِ الْغَسْلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ ؛ إِذْ كَانَتْ ( الْوَاوُ ) هَهُنَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ ؛ قَالَهُ
الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ جَمِيعًا ، وَقَالُوا : إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : ( رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا ) بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : ( رَأَيْتُ الزَّيْدَيْنِ وَرَأَيْتُهُمَا ) وَكَذَلِكَ هُوَ فِي عَادَةِ أَهْلِ اللَّفْظِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ : ( رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا ) لَمْ يَعْتَقِدْ فِي خَبَرِهِ أَنَّهُ رَأَى زَيْدًا قَبْلَ عَمْرٍو ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا مَعًا ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ رَأَى عَمْرًا قَبْلَ زَيْدٍ ؟ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20928 ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ . وَقَدْ أَجْمَعُوا جَمِيعًا أَيْضًا فِي رَجُلٍ لَوْ قَالَ : (
nindex.php?page=treesubj&link=7559_27330إِذَا دَخَلْتُ الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ وَعَلَيَّ صَدَقَةٌ ) أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الدَّارَ لَزِمَهُ
[ ص: 369 ] ذَلِكَ كُلُّهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، لَا يَلْزَمُهُ أَحَدُهَا قَبْلَ الْآخَرِ ؛ كَذَلِكَ هَذَا .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=856260لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ فَلَوْ كَانَتِ ( الْوَاوُ ) تُوجِبُ التَّرْتِيبَ لَجَرَتْ مَجْرَى ( ثُمَّ ) وَلَمَا فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا . وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إِيجَابُ التَّرْتِيبِ فَمُوجِبُهُ فِي الطَّهَارَةِ مُخَالِفٌ لَهَا وَزَائِدٌ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا ، وَذَلِكَ يُوجِبُ نَسْخَ الْآيَةِ عِنْدَنَا لِحَظْرِهِ مَا أَبَاحَتْهُ ؛ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخٌ ، فَثَبَتَ جَوَازُ فِعْلِهِ غَيْرَ مُرَتَّبٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الرِّجْلَ مَغْسُولَةٌ مَعْطُوفَةٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى الْأَيْدِي ، وَأَنَّ تَقْدِيرَهَا : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ تَرْتِيبَ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا النِّظَامِ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ تَرْتِيبُ الْمَعْنَى .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ فِي نَسَقِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَهَذَا الْفَصْلُ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ :
أَحَدُهُمَا : نَفْيُهُ الْحَرَجَ ، وَهُوَ الضِّيقُ فِيمَا تَعَبَّدَنَا بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ ، وَفِي إِيجَابِ التَّرْتِيبِ إِثْبَاتٌ لِلْحَرَجِ وَنَفْيُ التَّوْسِعَةِ .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ مُرَادَهُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ ، وَوُجُودُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ التَّرْتِيبِ كَهُوَ مَعَ وُجُودِهِ ؛ إِذْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى الْغَسْلَ .
فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ : نَحْنُ نُسَلِّمُ لَكَ أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ ، وَلَكِنَّ الْآيَةَ قَدِ اقْتَضَتْ إِيجَابَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لَزِمَ بِحُكْمِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَلِي حَالَ الْقِيَامِ إِلَيْهَا غَسْلَ الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ ، فَلَزِمَ بِهِ تَقْدِيمُ غَسْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ، وَإِذَا لَزِمَ التَّرْتِيبُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ لَزِمَ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا .
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَيْرُ وَاجِبٍ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَقْتَضِي إِيجَابَ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِيهِ فَأَطْلَقَ ذِكْرَ الْقِيَامِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ ، فَفِيهِ ضَمِيرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ؛ وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُهُ إِلَّا بِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ؛ إِذْ كَانَ مَجَازًا ؛ فَإِذًا لَا يَصِحُّ إِيجَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ مُرَتَّبًا عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِأَجْلِ إِدْخَالِ الْفَاءِ عَلَيْهِ ؛ إِذْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ مَوْقُوفًا عَلَى الدَّلَالَةِ ؛ فَهَذَا وَجْهٌ يَسْقُطُ بِهِ سُؤَالُ هَذَا السَّائِلِ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ نُسَلِّمَ لَهُمْ جَوَازَ اعْتِبَارِ هَذَا اللَّفْظِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ مِنَ التَّرْتِيبِ ، فَنَقُولُ لَهُمْ :
[ ص: 370 ] إِذَا ثَبَتَ أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُرَتَّبًا عَلَى الْقِيَامِ وَلَيْسَ يَخْتَصُّ بِهِ الْوَجْهُ دُونَ سَائِرِهَا ؛ إِذْ كَانَتِ ( الْوَاوُ ) لِلْجَمِيعِ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ عَطَفَ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا مَجْمُوعَةً بِالْفَاءِ عَلَى حَالِ الْقِيَامِ ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّرْتِيبِ ، بَلْ تَقْتَضِي إِسْقَاطَ التَّرْتِيبِ . وَيَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا وَمَعْنَاهُ : مُطَهِّرًا ؛ فَحَيْثُمَا وُجِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا مُسْتَوْفِيًا لِهَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا ؛ وَمُوجِبُ التَّرْتِيبِ قَدْ سَلَبَهُ هَذِهِ الصِّفَةَ إِلَّا مَعَ وُجُودِ مَعْنًى آخَرَ غَيْرِهِ ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ
رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ وَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=63825إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ؛ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا وَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ أَجْزَأَهُ ، وَمَوَاضِعُ الْوُضُوءِ الْأَعْضَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ ، فَأَجَازَ الصَّلَاةَ بِغَسْلِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّرْتِيبِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ يُوجِبُ كَمَالَ طَهَارَتِهِ لِوَضْعِهِ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا لَمْ يُرَتِّبْ فَلَمْ يَضَعِ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ .
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ مَعْلُومَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ الْغَسْلُ فَقَدْ وَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ فَيُجْزِيهِ بِحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِكْمَالِ طَهَارَتِهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى جَوَازِ طَهَارَتِهِ لَوْ بَدَأَ مِنَ الْمِرْفَقِ إِلَى الزَّنْدِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ فَلَمَّا لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ فِيمَا هُوَ مُرَتَّبٌ فِي مُقْتَضَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَمَا لَمْ يَقْتَضِ اللَّفْظُ تَرْتِيبَهُ أَحْرَى أَنْ يَجُوزَ ، وَهَذِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى ذِكْرِ عِلَّةٍ يَجْمَعُهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ لَيْسَ التَّرْتِيبَ ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَا اقْتَضَى اللَّفْظُ تَرْتِيبَهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا . وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ ، فَلَمَّا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ سُقُوطُهُ فِي الْآخَرِ .
وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، إِذْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ سُقُوطُهَا مَعَ ثُبُوتِ فَرْضِ الْأُخْرَى ، كَانَ كَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ لِجَوَازِ سُقُوطِ فَرْضِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِعِلَّةٍ بِهِمَا مَعَ لُزُومِ فَرْضِ غَسْلِ الْوَجْهِ . وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ جَمْعُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فِي الْغَسْلِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ فِيهَا التَّرْتِيبُ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=666345 nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ . فَإِنِ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ
[ ص: 371 ] أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=62863النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ : هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إِلَّا بِهِ . قِيلَ لَهُ : لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ التَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثُ
زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17112مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=62863هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إِلَّا بِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ مُرَتَّبًا ؛ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَأَ بِالذِّرَاعَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ أَوْ بِمَسْحِ الرَّأْسِ قَبْلَهُ ، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ مُرَتَّبًا لَمْ يُمْكِنْهُ إِثْبَاتُهُ إِلَّا بِرِوَايَةٍ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ تَرْكَ التَّرْتِيبِ مَعَ قَوْلِكَ إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِعْلُهُ مُرَتَّبًا ؟ قِيلَ لَهُ جَائِزٌ أَنْ يُتْرَكَ الْمُسْتَحَبُّ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ غَيْرَ مُرَتَّبٍ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ ، كَمَا أَنَّهُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي حَالٍ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُرَتَّبًا فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ غَيْرَ مُرَتَّبٍ وَاجِبًا ، لِقَوْلِهِ : ( هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إِلَّا بِهِ ) . قِيلَ لَهُ : لَوْ قَبِلْنَا ذَلِكَ وَقُلْنَا مَعَ ذَلِكَ إِنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي وُجُوبَ فِعْلِهِ عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ إِلَيْهِ مِنْ عَدَمِ تَرْتِيبِ الْفِعْلِ لَكُنَّا أَجَزْنَاهُ مُرَتَّبًا بِدَلَالَةٍ تُسْقِطُ سُؤَالَكَ ، وَلَكُنَّا نَقُولُ إِنَّ قَوْلَهُ : ( هَذَا وُضُوءُ ) إِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَسْلِ دُونَ التَّرْتِيبِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ فِيهِ مَدْخَلٌ . فَإِنِ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ
الصَّفَا وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663160نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ بِهِ وَاللَّفْظِ جَمِيعًا .
قِيلَ لَهُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُوجِبُهُ لَمَا احْتَاجَ إِلَى تَعْرِيفِهِ الْحَاضِرِينَ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَيْفَ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ مِنَ التَّبْدِئَةِ بِالصَّفَا ، وَإِخْبَارُهُ عَمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبًا ، كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ لَا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ ؛ وَعَلَى أَنَّهُ لَوِ اقْتَضَى الْإِيجَابَ لَكَانَ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ وَفِعْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663160نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ إِخْبَارٌ بِأَنَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَبْدُوٌّ بِهِ فِي الْمَعْنَى ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663160نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ إِنَّمَا أَرَادَ التَّبْدِئَةَ بِهِ فِي الْفِعْلِ ، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ إِخْبَارًا بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ بَدَأَ بِهِ فِي الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ بِهِ فِي اللَّفْظِ . قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَنْتَ ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : نَبْدَأُ بِالْفِعْلِ فِيمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي اللَّفْظِ ، فَيَكُونُ كَلَامًا صَحِيحًا مُفِيدًا .
وَأَيْضًا لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا أَنْ يُرِيدَ بِتَرْتِيبِ اللَّفْظِ تَرْتِيبَ الْفِعْلِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِيجَابُهُ إِلَّا بِدَلَالَةٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ ( ثُمَّ ) حَقِيقَتُهَا التَّرَاخِي ، وَقَدْ تَرِدُ وَتَكُونُ فِي مَعْنَى ( الْوَاوِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 372 ] nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَمَعْنَاهُ : وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ؛ وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=46ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ وَمَعْنَاهُ : وَاَللَّهُ شَهِيدٌ ؛ وَكَمَا تَجِيءُ ( أَوْ ) بِمَعْنَى ( الْوَاوِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا وَمَعْنَاهُ : إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا وَفَقِيرًا ؛ فَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاوِ التَّرْتِيبَ فَتَكُونَ مَجَازًا وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلَالَةٍ