الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5515 ( 21 ) ما ذكر في كتب النبي عليه السلام وبعوثه

                                                                                ( 1 ) حدثنا أبو بكر قال : حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن عبد الله بن شداد قال : كتب كسرى إلى باذام أني نبئت أن رجلا يقول شيئا لا أدري ما هو ، فأرسل إليه فليقعد في بيته ولا يكن من الناس في شيء وإلا فليواعدني موعدا ألقاه به ، قال : فأرسل باذام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين حالقي لحاهما مرسلي شواربهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملكما على هذا ؟ قال : فقالا له : يأمرنا به الذي يزعمون أنه ربهم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكنا نخالف سنتكم ، نجز هذا ونرسل هذا ، قال : فمر به رجل من قريش طويل الشارب ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجزهما ، قال : فتركهما بضعا وعشرين [ ص: 461 ] يوما ، ثم قال : اذهبا إلى الذي يزعمون أنه ربكما ، فأخبراه أن ربي قتل الذي يزعم أنه ربه ، قالا : متى ؟ قال : اليوم ، قال : فذهبا إلى باذام فأخبراه الخبر ، قال : فكتب إلى كسرى ، فوجدوا اليوم هو الذي قتل فيه كسرى .

                                                                                ( 2 ) حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي : أما بعد ، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قال سعيد : فمزق كسرى الكتاب ولم ينظر فيه ، قال نبي الله : مزق ومزقت أمته ، فأما النجاشي فآمن وآمن من كان عنده ، وأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية حلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتركوه ما ترككم ، وأما قيصر فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا كتاب لم أسمع به بعد سليمان النبي بسم الله الرحمن الرحيم ثم أرسل إلى أبي سفيان والمغيرة بن شعبة كانا تاجرين بأرضه ، فسألهما عن بعض شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهما من تبعه ، فقالا : تبعه النساء وضعفة الناس ، فقال : أرأيتما الذين يدخلون معه يرجعون ؟ قالا : لا ، قال : هو نبي ، ليملكن ما تحت قدمي ، لو كنت عنده لقبلت قدميه .

                                                                                ( 3 ) حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب عن جعفر بن عمرو قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر إلى أربعة وجوه : رجلا إلى كسرى ، ورجلا إلى قيصر ، ورجلا إلى المقوقس ، وبعث عمرو بن أمية إلى النجاشي ، فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم ، فلما أتى عمرو بن أمية النجاشي وجد لهم بابا صغيرا يدخلون منه مكفرين ، فلما رأى عمرو ذلك ولى ظهره القهقرى ، قال : فشق ذلك على الحبشة في مجلسهم عند النجاشي حتى هموا به حتى قالوا للنجاشي : إن هذا لم يدخل كما دخلنا ، قال : ما منعك أن تدخل كما دخلوا ؟ قال : إنا لا نصنع هذا بنبينا ، ولو صنعناه بأحد صنعناه به ، قال : صدق ، قال : دعوه ، قالوا للنجاشي : هذا يزعم أن عيسى مملوك ، قال : فما تقول في عيسى ؟ قال : كلمة الله وروحه ، قال : ما استطاع عيسى أن يعدو ذلك ( 4 ) حدثنا أبو أسامة عن مجاهد قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جدي وهذا كتابه عندنا بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى عمير ذي مران وإلى من [ ص: 462 ] أسلم من همدان ، سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ذلكم فإنه بلغنا إسلامكم مرجعنا من أرض الروم ، فأبشروا فإن الله قد هداكم بهداه ، وإنكم إذا شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة فإن لكم ذمة الله وذمة محمد رسول الله على دمائكم وأموالكم وأرض البون التي أسلمتم عليها سهلها وجبلها وعيونها ومراعيها غير مظلومين ولا مضيقا عليكم فإن الصدقة لا تحل لمحمد وأهل بيته ، وإنما هي زكاة تزكون بها أموالكم لفقراء المسلمين ، وإن مالك بن مرارة الرهاوي حفظ الغيب وبلغ الخبر وآمرك به يا ذامران خيرا ، فإنه منظور إليه ، وكتب علي بن أبي طالب والسلام عليكم وليحييكم ربكم .

                                                                                ( 5 ) حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خثعم لقوم كانوا فيهم ، فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود ، قال : فسجدوا ، قال : فقتل بعضهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أعطوهم نصف العقل لصلاتهم ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك .

                                                                                ( 6 ) حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أسامة قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، إنما قالها فرقا من السلاح ، قال : فهلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها فرقا من السلاح أم لا ؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .

                                                                                ( 7 ) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن محرز على بعث أنا فيهم ، فلما انتهى إلى رأس غزاته أو كان ببعض الطريق استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم ، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي ، فكنت فيمن غزا معه ، فلما كنا ببعض الطريق أوقد القوم نارا ليصطلوا أو ليصطنعوا عليه شيئا لهم ، فقال عبد الله وكانت فيه دعابة : أليس لي عليكم السمع والطاعة ، قالوا : بلى ، قال : فما أنا بآمركم شيئا إلا صنعتموه ، قالوا : نعم ، قال : فإني أعزم عليكم ألا تواثبتم في هذه النار ، قال : فقام ناس فتجهزوا ، فلما ظن [ ص: 463 ] أنهم واثبون قال : أمسكوا على أنفسكم ، فإنما كنت أمزح معكم ، فلما قدمنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوهم .

                                                                                ( 8 ) حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، فجعل يضربها بسيفه ويقول : إني رأيت الله قد أهانك .

                                                                                ( 9 ) حدثنا وكيع عن عمرو بن عثمان بن موهب قال : سمعت أبا بردة يقول : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أهل الكتاب أسلم أنت قال : فلم يفرغ النبي عليه الصلاة والسلام من كتابه حتى أتاه كتاب من ذلك الرجل أنه يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فيه السلام ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم في أسفل كتابه .

                                                                                ( 10 ) حدثنا وكيع عن قرة بن خالد السدوسي عن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال : كنا جلوسا بهذا المربد بالبصرة ، فجاء أعرابي معه قطعة أديم أو قطعة من جراب فقال : هذا كتاب كتبه لي النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فأخذته فقرأته على القوم ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش : إنكم إن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم الخمس وسهم النبي والصفي فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله قال : فما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيئا ؟ قال : سمعته يقول : صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر .

                                                                                ( 11 ) حدثنا عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان ، قال : فلما دنوت منه ، وذلك في وقت العصر ، خفت أن يكون دونه محاولة أو مزاولة ، فصليت وأنا أمشي .

                                                                                ( 12 ) حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا إسماعيل عن قيس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا على جيش ذات السلاسل إلى لخم وجذام ومسانف الشام ، قال : وكان في أصحابه قلة ، قال : فقال لهم عمرو : لا يوقدن أحد منكم نارا ، فشق ذلك عليهم ، فكلموا أبا بكر أن يكلم عمرا فكلمه فقال : لا يوقد أحد نارا إلا ألقيته فيها ، فقابل العدو فظهر عليهم واستباح عسكرهم ، فقال الناس : ألا نتبعهم ؟ فقال : لا ، إني أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادة يقتطعون بها المسلمين ، فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين رجعوا فقال : صدقوا يا عمرو ؟ قال : كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرغب العدو في قتلهم ، [ ص: 464 ] فلما أظهرني الله عليهم قالوا : اتبعهم ، قلت : أخشى أن تكون لهم وراء هذه الجبال مادة يقتطعون بها المسلمين ، قال : فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حمد أمره .

                                                                                ( 13 ) حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا إسماعيل عن قيس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لبلال : أجهزت الركب أو الرهط البجليين ؟ قال : لا ، قال : فجهزهم وابدأ بالأحمسيين قبل القسيريين .

                                                                                ( 14 ) حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى رعية السحيمي بكتاب ، فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقع به دلوه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأخذوا أهله وماله ، وأفلت رعية على فرس له عريانا ليس عليه شيء ، فأتى ابنته وكانت متزوجة في بني هلال ، قال : وكانوا أسلموا فأسلمت معهم وكانوا دعوه إلى الإسلام ، قال : فأتى ابنته وكان يجلس القوم بفناء بيتها ، فأتى البيت من وراء ظهره ، فلما رأته ابنته عريانا ألقت عليه ثوبا ، قالت : ما لك ؟ قال : كل الشر ، ما ترك لي أهل ولا مال ، قال : أين بعلك ؟ قالت : في الإبل ، قال : فأتاه فأخبره ، قال : خذ راحلتي برحلها ونزودك من اللبن ، قال : لا حاجة لي فيه ، ولكن أعطني قعود الراعي وإداوة من ماء ، فإني أبادر محمدا لا يقسم أهلي ومالي ، فانطلق وعليه ثوب إذا غطى به رأسه خرجت استه ، وكذا غطى به استه خرج رأسه فانطلق حتى دخل المدينة ليلا ، فكان بحذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر قال له : يا رسول الله ، ابسط يدك فلأبايعك ، فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، فلما ذهب رعية ليمسح عليها قبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له رعية : يا رسول الله ، ابسط يدك قال : ومن أنت ؟ قال : رعية السحيمي ، قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضده فرفعها ، ثم قال : أيها الناس ، هذا رعية السحيمي الذي كتبت إليه فأخذ كتابي فرقع به دلوه ، فأسلم ، ثم قال : يا رسول الله ، أهلي ومالي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما مالك فقد قسم بين المسلمين ، وأما أهلك فانظر من قدرت عليه منهم ، قال : فخرجت فإذا ابن لي قد عرف الراحلة وإذا هو قائم عندها ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا ابني ، فأرسل معي بلالا ، فقال : انطلق معه فسله : أبوك هو ؟ فإن قال : نعم ، فادفعه إليه ، قال : فأتاه بلال فقال : أبوك هو ؟ فقال : نعم ، فدفع إليه قال : فأتى بلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله ما رأيت أحدا منهما مستعبرا إلى صاحبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك جفاء العرب .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية