الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ من ذكر شروط الشهادة وموانعها شرع يتكلم على مراتبها وهي أربعة إما أربعة عدول أو عدلان أو عدل وامرأتان أو امرأتان وبدأ بالأولى فقال ( وللزنا واللواط ) أي للشهادة على فعلهما ( أربعة ) من العدول وأما على الإقرار بهما فيكفي عدلان ولما كانت الفضيحة فيهما أشنع من سائر المعاصي شدد الشارع فيهما طلبا للستر يشهدون عند الحاكم ( بوقت ) أي يجتمعون لها في وقت واحد وإن فرقوا بعد كما يأتي ( ورؤية اتحدا ) واتحاد الرؤية بأن يروا جميعا في وقت واحد فلا بد من اتحاد وقت الأداء واتحاد وقت التحمل ومن اتحاد الرؤية اتحاد كيفيتها من اضطجاع أو قيام أو هو فوقها أو تحتها واتحاد مكانها ككونهما في ركن البيت الشرقي أو الغربي أو وسطه ونحو ذلك ولا بد من ذكر ذلك كله للحاكم بعد تفريقهم كما قال ( وفرقوا ) وجوبا في الزنا ( فقط ) دون غيره ليسأل كل واحد على حدته كيف رأى وفي أي وقت رأى وفي أي مكان رأى فإن اختلفوا أو بعضهم بطلت وحدوا [ ص: 186 ] ( و ) يشهدون ( أنه أدخل فرجه في فرجها ) أي رأوا ذلك ويزيدون وجوبا وقيل ندبا كالمرود في المكحلة زيادة في التشديد وطلبا لحصول الستر ( و ) جاز ( لكل ) منهم وقت التحمل ( النظر للعورة ) قصدا ليعلم كيف يؤدي الشهادة ومحل الجواز إذا كانوا أربعة عدولا وإلا فلا يجوز لعدم قبول الشهادة من غيرهم وإنما جوزوا رؤية العورة هنا ومنعوها النساء عند اختلاف الزوجين في عيوب الفرج وجعلوا المرأة مصدقة ولا ينظرها النساء لأنهم لما شددوا على شهود الزنا ما لم يشددوا على غيرهم أباحوا لهم ذلك لتتم لهم الشهادة ( وندب ) للحاكم ( سؤالهم ) عما ليس شرطا في الشهادة نحو هل كانا راقدين أو لا وهل كانا في الجانب الشرقي أو الغربي بناء على أن ذلك ليس شرطا فيها وهو قول ونحو ذلك وأما ما كان شرطا فيها فلا بد من سؤاله عنه وجوبا كالمرود في المكحلة على قول وكاتحاد الرؤية ( كالسرقة ) يندب سؤال شاهديها ( ما هي ) أي من أي نوع هي ( وكيف أخذت ) أي على أي حالة أخذت ليتوصل بذلك إلى قطع اليد أو عدمه

التالي السابق


( قوله وهي أربعة ) بقيت خامسة وهي ذكر فقط أو أنثى فقط في مسألة إثبات الخلطة المثبتة لليمين ( قوله فيكفي عدلان ) فيه أنه لا يحتاج إلى الشهادة على الإقرار على ما مشى عليه المصنف من أن المقر بالزنا يقبل رجوعه ولو لم يأت بشبهة كما قال ابن القاسم وحينئذ فالمقر بالزنا أو اللواط إن استمر على إقراره حد ولا يحتاج لبينة على إقراره وإن رجع عن إقراره لم يحد ولا عبرة بالبينة الشاهدة بإقراره إلا أن يقال كلام الشارح مبني على قول من يقول إن المقر بالزنا لا يقبل رجوعه على أنه إذا استمر على إقراره وأعلم الحاكم بذلك فلا يجوز للحاكم حده إلا إذا شهد على إقراره عند الحاكم عدلان كما مر ( قوله أشنع من سائر المعاصي ) أي وإن كان القتل أشد منهما .

( قوله شدد الشارع فيهما ) فجعل كلا منهما لا يثبت إلا بشهادة أربعة وقيل إنه لما كان كل منهما لا يتصور إلا بين اثنين اشترط أربعة ليكون على كل واحد اثنان وقيل لما كان الشهود مأمورين بالستر ولم يفعلوا غلظ عليهم في ذلك سترا من الله على عباده ( قوله بوقت ) متعلق بمحذوف صفة لأربعة أي يشهدون بوقت بمعنى أنهم يجتمعون لأداء الشهادة في وقت ( قوله ورؤية ) عطف على وقت والباء في الأول بمعنى في حقيقة وفي الثاني بالعطف بمعنى في مجازا وقوله اتحدا صفة لوقت ورؤية أي يذهبون لأداء الشهادة في وقت واحد بأن يذهبوا جميعا لأدائها وإن فرقوا بعد ذلك عند الأداء ويشهدون برؤية أي ويتحملون الشهادة برؤية واحدة بأن يروا دفعة أو متعاقبا مع الاتصال كما في بن ( قوله بأن يروا جميعا في وقت واحد ) هذا صادق بما إذا رأوا الذكر في الفرج دفعة واحدة بأن اجتمع الأربعة ونظروا دفعة وصادق بما إذا رأوا متعاقبين مع الاتصال بأن نظروا من كوة مثلا واحدا بعد واحد في لحظة متصلة وكلام المواق يقتضي كفاية كل من الأمرين .

( قوله فلا بد من اتحاد وقت الأداء ) أي من اتحاد وقت الاجتماع للأداء ( قوله ومن اتحاد الرؤية إلخ ) الأولى أن يقول ولا بد من اتفاقهم على كيفية الزنا من كونه من اضطجاع أو قيام إلخ لأن ما ذكر ليس كيفية الرؤية ولا من اتحاد الرؤية خلافا لما ذكره الشارح فتأمل ( قوله وفرقوا ) أي عند الأداء بعد إتيانهم محل الحاكم جميعا [ ص: 186 ] قوله وإنه أدخله فرجه إلخ ) عطف على بوقت أي يشهدون في وقت وأنه أدخل إلخ كما أشار له الشارح ( قوله أي رأوا ذلك ) الأولى أو أنهم رأوا ذلك أي فرجه في فرجها فلا مفهوم لما ذكره المصنف بل المدار على ما يدل على التيقن والتثبت ( قوله ويزيدون وجوبا ) أي كما قال بهرام والمواق وقوله وقيل ندبا أي كما قال البساطي ( قوله زيادة في التشديد ) أي عليهم لعلهم يتركون الشهادة .

( قوله وطلبا لحصول الستر ) عطف علة على معلول أي وإنما زيد في التشديد عليهم طلبا إلخ ( قوله وجاز لكل إلخ ) المراد بالجواز الإذن لأن ذلك مطلوب لأن الشهادة على الوجه المذكور تتوقف على النظر لهما ونشأ من هذا جواب عما يقال كيف تصح الشهادة على الوجه المذكور مع أن النظر للعورة معصية وحاصل الجواب لا نسلم أنه معصية بل مأذون فيه لتوقف الشهادة عليه وقوله ولكل النظر للعورة ظاهره ولو قدروا على منعه من فعل الزنا ابتداء ولا يقدح فيهم الإقرار على الزنا كما في ح وغيره وكأنهم اغتفروا سرعة الرفع خشية إحداث عداوة في النفس مع إثبات الحد لكن الذي في ابن عرفة أنهم إذا قدروا على منعهم من فعل الزنا ابتداء فلا يجوز لهم النظر للعورة لبطلان شهادتهم بعصيانهم بسبب عدم منعهم منه ابتداء ونحوه لابن رشد كما في بن ( قوله لأنهم لما شددوا إلخ ) قد فرق ابن عرفة بثلاثة أوجه غير هذا الأول أن الحد حق لله وثبوت العيب حق للآدمي وحق الله آكد لقوله في المدونة فيمن سرق وقطع يمين رجل عمدا يقطع للسرقة ويسقط القصاص الثاني أن ما لأجله النظر وهو الزنا محقق الوجود أو راجحه وثبوت العيب محتمل على السواء الثالث أن المنظور إليه في الزنا وهو مغيب الحشفة ولا يستلزم ذلك من الإحاطة بالنظر للفرج ما يستلزمه النظر للعيب ا هـ بن ( قوله هل كانا ) أي وقت الزنا ( قوله بناء على أن ذلك ) أي ذكر ذلك في الشهادة ليس شرطا فيها أي وهو قول ابن رشد كما في نقل ابن عرفة وقيل إنه واجب وهو الذي حمل عليه أبو الحسن قول المدونة وينبغي إلخ واعلم أنه إذا سألهم عن ذلك واختلفوا في الجواب بطلت شهادتهم على كلا القولين ( قوله على أي حالة أخذت ) أي في ليل أو نهار وأين ذهبوا بها




الخدمات العلمية