الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6341 ) مسألة قال : ( ولو طلقها ، أو مات عنها ، فلم تنقض عدتها حتى تزوجت من أصابها ، فرق بينهما ، وبنت على ما مضى من عدة الأول ، ثم استقبلت العدة من الثاني ) وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها ، إجماعا ، أي عدة كانت ; لقول الله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } . ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه ، وامتزاج الأنساب . وإن تزوجت ، فالنكاح باطل ; لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول ، فكان نكاحا باطلا ، كما لو تزوجت وهي في نكاحه ، ويجب أن يفرق بينه وبينها ، فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها ، ولا تنقطع بالعقد الثاني ; لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشا ، ولا يستحق عليه بالعقد شيء ، وتسقط سكناها ونفقتها عن الزوج الأول ; لأنها ناشز ، وإن وطئها ، انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة لا تنقطع ; لأن كونها فراشا لغير من له العدة لا يمنعها ، كما لو وطئت بشبهة وهي زوجة ، فإنها تعتد ، وإن كانت فراشا للزوج . وقال القاضي : إن وطئها عالما بأنها معتدة ، وأنها تحرم ، فهو زان ، فلا تنقطع العدة بوطئه ; لأنها لا تصير به فراشا ، ولا يلحق به نسب ، وإن كان جاهلا أنها معتدة ، أو بالتحريم ، انقطعت العدة بالوطء ; لأنها تصير به فراشا ، والعدة تراد للاستبراء ، وكونها فراشا ينافي ذلك ، فوجب أن يقطعها ، فأما طريانه عليها ، فلا يجوز . ولنا أن هذا وطء بشبهة نكاح ، فتنقطع به العدة ، كما لو جهل . وقولهم : إنها لا تصير به فراشا . قلنا : لكنه لا يلحق نسب الولد الحادث من وطئه بالزوج الأول ، فهما شيئان .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فعليه فراقها ، فإن لم يفعل ، وجب التفريق بينهما ، فإن فارقها أو فرق بينهما ، وجب عليها أن تكمل عدة الأول ; لأن حقه أسبق ، وعدته وجبت عن وطء في [ ص: 101 ] نكاح صحيح ، فإذا أكملت عدة الأول ، وجب عليها أن تعتد من الثاني ، ولا تتداخل العدتان ; لأنهما من رجلين . وهذا مذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة يتداخلان ، فتأتي بثلاثة قروء بعد مفارقة الثاني ، تكون عن بقية عدة الأول وعدة الثاني ; لأن القصد معرفة براءة الرحم ، وهذا تحصل به براءة الرحم منهما جميعا ولنا ما روى مالك عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي ، فطلقها ، ونكحها غيره في عدتها ، فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها ضربات بمخفقة ، وفرق بينهما . ثم قال : أيما امرأة نكحت في عدتها ، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها ، فرق بينهما ، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ، وكان خاطبا من الخطاب ، وإن كان دخل بها ، فرق بينهما ، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ، ثم اعتدت من الآخر ، ولا ينكحها أبدا

                                                                                                                                            . وروى ، بإسناده عن علي أنه قضى في التي تزوج في عدتها ، أنه يفرق بينهما ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول ، وتعتد من الآخر وهذان قولا سيدين من الخلفاء لم يعرف لهما في الصحابة مخالف ، ولأنهما حقان مقصودان لآدميين ، فلم يتداخلا ، كالدينين واليمينين ، ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء ، فلم يجز أن تكون المرأة في حبس رجلين كحبس الزوجة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية