الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب التحكيم [ ص: 428 ] ( هو ) لغة : جعل الحكم فيما لك لغيرك . وعرفا : ( تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما ، وركنه لفظه الدال عليه مع قبول الآخر )

ذلك ( وشرطه من جهة المحكم ) بالكسر ( العقل لا الحرية والإسلام ) فصح تحكيم ذمي ذميا ( و ) شرطه ( من جهة الحكم ) بالفتح ( صلاحيته للقضاء ) كما مر ( ويشترط الأهلية ) المذكورة ( وقته ) أي التحكيم ( ووقت الحكم جميعا ، فلو حكما عبدا فعتق أو صبيا فبلغ أو ذميا فأسلم ثم حكم لا ينفذ كما ) هو الحكم ( في مقلد ) بفتح اللام مشددة بخلاف الشهادة وقدمنا أنه لو استقضي العبد ثم عتق فقضى صح وعزاه سعدي أفندي للمبتغى .

التالي السابق


باب التحكيم

لما كان من فروع القضاء وكان أحط رتبة من القضاء أخره ، ولهذا قال أبو يوسف : لا يجوز تعليقه بالشرط [ ص: 428 ] وإضافته إلى وقت ، بخلاف القضاء لكونه صلحا من وجه بحر .

( قوله هو لغة إلخ ) في الصحاح ويقال : حكمته في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه ا هـ ، وهذه العبارة لا تدل على أن التحكيم لغة خاص بالمال خلافا لما توهمه عبارة الشارح ، ولذا قال في المصباح : حكمت الرجل بالتشديد فوضت الحكم إليه .

( قوله وعرفا تولية الخصمين ) أي الفريقين المتخاصمين ، فيشمل ما لو تعدد الفريقان ولذا أعيد عليها ضمير الجماعة في قوله تعالى { هذان خصمان اختصموا } وفي المصباح : الخصم يقع على المفرد وغيره الذكر والأنثى بلفظ واحد ، وفي لغة يطابق في التثنية والجمع فيجمع على خصوم وخصام ا هـ فافهم ( قوله حاكما ) المراد به ما يعم الواحد والمتعدد .

[ تنبيه ] في البحر عن البزازية قال بعض علمائنا : أكثر قضاة عهدنا في بلادنا مصالحون ; لأنهم تقلدوا القضاء بالرشوة ، ويجوز أن يجعل حاكما بترافع القضية ، واعترض بأن الرفع ليس على وجه التحكيم بل على اعتقاد أنه ماضي الحكم وحضور المدعى عليه قد يكون بالأشخاص والجبر فلا يكون حكما ، ألا ترى أن البيع قد ينعقد ابتداء بالتعاطي ، لكن إذا تقدمه بيع باطل أو فاسد وترتب عليه التعاطي لا ينعقد البيع لكونه ترتب على سبب آخر فكذا هنا ولهذا قال السلف : القاضي النافذ حكمه أعز من الكبريت الأحمر ا هـ قال ط : وبعض الشافعية يعبر عنه بأنه قاضي ضرورة إذ لا يوجد قاض فيما علمناه من البلاد إلا وهو راش ومرتش ا هـ وانظر ما قدمناه أول القضاء .

( قوله وركنه لفظه إلخ ) أي ركن التحكيم لفظه الدال عليه أي اللفظ الدال على التحكيم كاحكم بيننا أو جعلناك حكما أو حكمناك في كذا ، فليس المراد خصوص لفظ التحكيم .

( قوله مع قبول الآخر ) أي المحكم بالفتح فلو لم يقبل لا يجوز حكمه إلا بتجديد التحكيم بحر عن المحيط .

( قوله من جهة المحكم ) أي جنسه الصادق بالفريقين وشمل ما لو كان أحدهما قاضيا كما في القهستاني .

( قوله لا الحرية ) فتحكيم المكاتب والعبد المأذون صحيح بحر .

( قوله فصح تحكيم ذمي ذميا ) لأنه أهل للشهادة بين أهل الذمة دون المسلمين ، ويكون تراضيهما عليه في حقهما كتقليد السلطان إياه وتقليد الذمي ليحكم بين أهل الذمة صحيح لا بين المسلمين ، وكذلك التحكيم هندية عن النهاية ط وفي البحر عن المحيط : فلو أسلم أحد الخصمين قبل الحكم لم ينفذ حكم الكافر على المسلم وينفذ للمسلم على الذمي ، وقيل : لا يجوز للمسلم أيضا وتحكيم المرتد موقوف عنده ، فإن حكم ثم قتل أو لحق بطل وإن أسلم نفذ وعندهما جائز بكل حال .

( قوله كما مر ) أي في الباب السابق في قوله : والمحكم كالقاضي ، وأفاد جواز تحكيم المرأة والفاسق لصلاحيتهما للقضاء والأولى أن لا يحكما فاسقا بحر .

( قوله وقته ووقت الحكم جميعا ) وكذا فيما بينهما بخلاف القاضي كما سيأتي في المسائل المخالفة بحر .

( قوله فلو حكما عبدا إلخ ) ولو حكما حرا وعبدا فحكم الحر وحده لم يجز وكذا إذا حكما بحر عن المحيط .

( قوله في مقلد ) بفتح اللام مبني للمجهول أي فيمن قلده الإمام القضاء .

( قوله بخلاف الشهادة ) فإن اشتراط الأهلية فيها عند الأداء فقط وأشار بهذا إلى فائدة قول المصنف صلاحيته للقضاء حيث لم يقل للشهادة .

( قوله وقدمنا ) أي قبيل قوله وإذا رفع إليه حكم قاض وأشار بهذا إلى أن قوله [ ص: 429 ] كما في مقلد ليس متفقا عليه وقدمنا أول القضاء عند قوله : وأهله أهل الشهادة أن فيه روايتين وأنه في الواقعات الحسامية قال الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة ; لأن الكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين وأن هذا يؤيد رواية صحة تولية الكافر والعبد وصحة حكمهما بعد الإسلام والعتق بلا تجديد تولية وبه جزم في البحر واقتصر عليه في الفتح خلافا لما مشى عليه المصنف هنا وأن هذا بخلاف الصبي إذا بلغ فإنه لا بد من تجديد توليته وقدمنا وجه الفرق هناك فافهم وهل تجري هذه الرواية في الحكم ؟ لم أره والظاهر لا




الخدمات العلمية