الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما

                                                          * * *

                                                          كانت الآيات السابقة في بيان غلظ قلوب اليهود، وعنادهم وامتناعهم عن قبول الحق، وأن حاضر اليهود في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- كماضيهم مع موسى -عليه السلام- يتعنتون في طلب الدليل، ولا يهتدون إلى الحق إذا قامت عليهم البينات، حتى إنهم ليطلبون من موسى -عليه السلام- أن يريهم الله جهرة عيانا، وقد أنزل بهم من الشدائد ما يدفعهم إلى الخضوع، فنزلت بهم الصاعقة وارتفع الجبل عليهم، وقد خضعوا ولا يكادون، وأخذ عليهم الميثاق، ولكنهم لم يلبثوا أن نقضوه، وفي هذا النص الكريم يبين سبحانه وتعالى ما ارتكبوا من مظالم، وعواقب ذلك عليهم، ولذا قال تعالى:

                                                          فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ذكر الله تعالى في هذه الآيات الظلم الذي وقع منهم، فذكر مظالم كثيرة لهم، فهم نقضوا الميثاق، وكفروا بالحجج والبينات وقتلوا الأنبياء، ونسبوا سبب الكفر إلى غيرهم، وكذبوا على مريم البتول، وادعوا أنهم قتلوا المسيح، وصدوا عن سبيل الله، وأكلوا الربا وقد نهوا عنه ... إلى آخر ما كفروا به. [ ص: 1949 ] هؤلاء هم بنو إسرائيل، دائما ينقضون المواثيق والعهود، ولا يراعون إلا ولا ذمة، ويكفرون بآيات الله، ويقتلون الأنبياء، ويظلمون أنفسهم، فيشدد الله عليهم الأحكام، فيحرم عليهم الطيبات التي كانت مباحة لهم، وقد حقت عليهم اللعنة بخطيئاتهم التي اكتسبوها، وقولهم قلوبنا غلف أي هي أوعية للعلوم مملوءة مغلفة، فلسنا في حاجة إلى علم غير الذي عندنا، ولن نقبل شيئا مما تدعونا إليه يا محمد، ورغم العلم الذي وعيناه واستوعبناه فإن قلوبنا غلف، عليها أغطية تجعلنا لا نفقه ما تقول، فأرح نفسك، وأرحنا معك، فلن نستمع إليك ولن يصل إلى قلوبنا شيء مما تدعو إليه.

                                                          بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا والحق، أن الله سبحانه وتعالى، لما رأى أنهم لا يهتدون، ولا يعطون التفاتا للدعوة، ويدرءون حجة الرسل، ويدفعون براهينهم بباطل من عندهم جزاهم على كفرهم هذا بأن طبع على قلوبهم، وختم عليها، فهم لذلك لا يهتدون سبيلا، ولا يؤمنون إلا قليلا.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية