الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حكاية قول الرافضة فيها :

وقالت الرافضة بمثل قول المعتزلة ، إلا طائفة منها ذهبت إلى ما روي عن محمد بن علي أبي جعفر أنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام ، وأجمع هؤلاء كلهم على أن أحكام المؤمنين جائزة عليهم ، مع نفيهم اسم الإيمان عنهم ، وفي هذا من التناقض واختلاف القول ما قد بيناه .

وأما احتجاجهم بقول الله تبارك وتعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) ، وبحديث سعد بن أبي وقاص أنه قال لرجل : أراه مؤمنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أو مسلم ؟ " ، فإن ذلك ليس بخلاف مذهبنا ، وذلك أنا نقول : إن الرجل قد يسمى مسلما على وجهين : أحدهما أن يخضع لله بالإيمان ، والطاعة تدينا بذلك ، يريد الله بإخلاص نية ، [ ص: 554 ] والجهة الأخرى أن يخضع ، ويستسلم للرسول ، وللمؤمنين خوفا من القتل ، والسبي ، فيقال : قد أسلم أي خضع خوفا ، وتقية ، ولم يسلم لله ، وليس هذا بالإسلام الذي اصطفاه الله ، وارتضاه ، الذي هو الإيمان الذي دعا الله العباد إليه ، والدليل على ذلك قوله : ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) يريد : ولم يدخل الإيمان في قلوبكم ، نظير ذلك قوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) يريد : لم يلحقوا بهم ، وغير جائز أن يخبر الله عن من أتى بالإسلام الذي هو دين الله الذي لا يقبل دينا غيره ، ولا يقبل عملا إلا به ، أن الإيمان لم يدخل قلبه ، لأن من لم يدخل الإيمان في قلبه ، وهو كافر بالله ، فكيف يكون كافرا بالله مسلما لله ؟ هذا من المحال الذي لا يجوز أن يكون ، فثبت بما ذكرناه أن قوله : ( أسلمنا ) إنما هو استسلمنا للناس مخافة السبي ، والقتل .

607 - وكذلك حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا سفيان ، عن مجاهد ، في قوله : " ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ، ولكن قولوا أسلمنا ) ، قال : " استسلمنا خوف السبي ، والقتل " . [ ص: 555 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية