الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5566 ( 42 ) ما جاء في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                ( 1 ) حدثنا ابن فضيل عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر في ناحية المدينة ، فجاء فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ، فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقبله ويبكي ويقول : بأبي وأمي طبت حيا وطبت ميتا ، فلما خرج مر بعمر بن الخطاب وهو يقول : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين ، قال : وكانوا قد استبشروا بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعوا رءوسهم ، فقال : أيها الرجل ، اربع على نفسك ، فإن رسول الله قد مات ، ألم تسمع الله يقول : إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون قال : ثم أتى المنبر فصعده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات ، وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت ، ثم تلا [ ص: 566 ] وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم حتى ختم الآية ، ثم نزل وقد استبشر المسلمون بذلك واشتد فرحهم ، وأخذت المنافقين الكآبة ، قال عبد الله بن عمر : فوالذي نفسي بيده لكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت .

                                                                                ( 2 ) حدثنا عيسى بن يونس عن ابن جريج عن أبيه أنهم شكوا في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أين يدفنونه ؟ فقال أبو بكر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن النبي لا يحول عن مكانه ، يدفن حيث يموت فنحوا فراشه فحفروا له موضع فراشه .

                                                                                ( 3 ) حدثنا ابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال : كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو ، فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا إن كان حقا ما تقول فقد مر صاحبك على أجله منذ ثلاث ، فأقبلت وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق وقع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون ، قال : فقالا لي : أخبر صاحبك أنا قد جئنا ، ولعلنا سنعود إن شاء الله ، ورجعا إلى اليمن ، قال : فأخبرت أبا بكر بحديثهم ، قال : أفلا جئت بهم ، قال : فلما كان بعد قال لي ذو عمرو : يا جرير ، إن بك علي كرامة ، وإني مخبرك خبرا ، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضى الملوك .

                                                                                ( 4 ) حدثنا جعفر بن عون عن ابن جريج عن عطاء ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ، قال : أقبل الناس يدخلون فيصلون عليه ثم يخرجون ويدخل آخرون كذلك ، قال : قلت لعطاء : يصلون ويدعون ؟ قال : يصلون ويستغفرون .

                                                                                ( 5 ) حدثنا حفص عن جعفر عن أبيه قال : لم يؤم على النبي صلى الله عليه وسلم إمام ، وكانوا يدخلون أفواجا يصلون ويخرجون .

                                                                                ( 6 ) حدثنا أبو أسامة عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أم أيمن تبكي ؛ فقيل لها : لم تبكين يا أم أيمن ؟ قالت : أبكي على خبر السماء انقطع عنا [ ص: 567 ]

                                                                                ( 7 ) حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لعمر أو عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها ، فانطلقا إليها فجعلت تبكي ، فقالا لها : يا أم أيمن ، إن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : قد علمت أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أبكي على خبر السماء ، انقطع عنا ، فهيجتهما على البكاء ؛ فجعلا يبكيان معها .

                                                                                ( 8 ) حدثنا حفص عن جعفر عن أبيه قال : خرجت صفية وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهي تلمع بثوبها يعني تشير به وهي تقول :

                                                                                قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

                                                                                .

                                                                                ( 9 ) حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن الذي ولي دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجنانه أربعة نفر دون الناس : علي وعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلحدوا له ونصبوا عليه اللبن نصبا .

                                                                                ( 10 ) حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال : دخل قبر النبي صلى الله عليه وسلم علي والفضل وأسامة ، قال الشعبي : وحدثني مرحب أو ابن أبي مرحب أن عبد الرحمن بن عوف دخل معهم القبر .

                                                                                ( 11 ) حدثنا ابن إدريس عن إسماعيل عن الشعبي قال : غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي والفضل وأسامة ، قال : وحدثني ابن أبي مرحب أن عبد الرحمن بن عوف دخل معهم القبر ، قال : وقال الشعبي : من يلي الميت إلا أهله ، وفي حديث ابن إدريس عن ابن أبي خالد : وجعل علي يقول : بأبي وأمي طبت حيا وميتا .

                                                                                ( 12 ) حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن محمد بن علي قال : غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميص ، فولي علي سفلته ، والفضل محتضنه ، والعباس يصب الماء ، قال : والفضل يقول : أرحني قطعت وتيني ، إني لأجد شيئا ينزل علي ، قال : وغسل من بئر سعد بن خيثمة بقباء وهي البئر التي يقال لها : بئر أريس ، قال : وقد والله شربت منها واغتسلت .

                                                                                ( 13 ) حدثنا عبد الأعلى وابن مبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عليا التمس من النبي كرمه الله ما يلتمس من الميت ، فلم يجد شيئا فقال : بأبي وأمي طبت حيا وطبت ميتا [ ص: 568 ]

                                                                                ( 14 ) حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر عن أبيه قال : لما أرادوا أن يغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه قميص ، فأرادوا أن ينزعوه ، فسمعوا نداء من البيت أن لا تنزعوا القميص .

                                                                                ( 15 ) حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعدما مات .

                                                                                ( 16 ) حدثنا عبد العزيز بن أبان بن عثمان عن معمر عن الزهري عن أنس قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى الناس ، فقام عمر في المسجد خطيبا ، فقال : لا أسمع أحدا يزعم أن محمدا قد مات ، ولكن أرسل إليه ربه كما أرسل إلى موسى ربه ، فقد أرسل الله إلى موسى فلبث عن قومه أربعين ليلة ، والله إني لأرجو أن تقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات .

                                                                                ( 17 ) حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أنيس بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد وهو عاصب رأسه بخرقة في المرض الذي مات فيه ، فأهوى قبل المنبر حتى استوى عليه فاتبعناه ، فقال : والذي نفسي بيده ، إني لقائم على الحوض الساعة ، وقال : إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة فلم يفطن بها أحد إلا أبو بكر ، فذرفت عيناه فبكى وقال : بأبي أنت وأمي ، بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا ، قال : ثم هبط فما قام عليه حتى الساعة صلى الله عليه وسلم .

                                                                                ( 18 ) حدثنا حاتم عن جعفر عن أبيه قال : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم قال : أين أكون غدا ؟ قالوا : عند فلانة ، قال : أين أكون بعد غد ؟ قالوا : عند فلانة ، فعرفن أزواجه أنه إنما يريد عائشة ، فقلن : يا رسول الله ، قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة .

                                                                                ( 19 ) حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : أتيت عائشة فقلت : حدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : نعم ، مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقل فأغمي عليه فأفاق ، فقال : ضعوا لي ماء في المخضب ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : ضعوا لي ماء في المخضب ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، فذهب لينوء فأغمي عليه ، قالت : ثم أفاق [ ص: 569 ] فقال : ضعوا لي ماء في المخضب ، قالت : قلت : قد فعلنا ، قالت : فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق ، فقال : أصلى الناس بعد ؟ فقلنا : لا يا رسول الله ، هم ينتظرونك ، قالت : والناس عكوف ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم عشاء الآخرة ، قالت : فاغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس بعد ؟ قلت : لا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ، قالت : فأتاه الرسول فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس ، فقال : يا عمر ، صل بالناس ، فقال : أنت أحق ، إنما أرسل إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجد خفة من نفسه ، فخرج لصلاة الظهر بين العباس ورجل آخر ، فقال لهما : أجلساني عن يمينه ، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر ، فأمره أن يثبت مكانه ، قالت : فأجلساه عن يمينه ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، قال : فأتيت ابن عباس فقلت : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة ؟ قال : هات ، فعرضت عليه هذا فلم ينكر منه شيئا إلا أنه قال : أخبرتك من الرجل الآخر ؟ قال : قلت : لا ، فقال ، هو علي رحمه الله .

                                                                                ( 20 ) حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار ، فجعل الرجل منهم يقول : يا معشر المهاجرين ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا ، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا ، قال : فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك ، فقام زيد بن ثابت فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإن الإمام إنما يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله ، فقام أبو بكر فقال : جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار ، وثبت قائلكم ، ثم قال : والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحتكم .

                                                                                ( 21 ) حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال : سمعت سعيد بن المسيب قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع على سريره ، فكان الناس يدخلون زمرا زمرا يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمهم أحد ، وتوفي يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية