الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 443 ] هذه مسائل شتى أي متفرقة وجاءوا شتى أي متفرقين ( يمنع صاحب سفل عليه علو ) أي طبقة ( لآخر من أن يتد ) أي يدق الوتد ( في سفله ) وهو البيت التحتاني ( أو ينقب كوة ) بفتح أو ضم الطاقة وكذا بالعكس دعوى المجمع ( بلا رضا الآخر ) وهذا عنده وهو القياس بحر وقالا لكل فعل ما لا يضر ولو انهدم السفل بلا صنع ربه لم يجبر على البناء لعدم التعدي ولذي العلو أن يبني ثم يرجع بما أنفق إن بنى بإذنه أو إذن قاض وإلا فبقيمة البناء يوم بنى وتمامه في العيني .

التالي السابق


هذه مسائل شتى قدر الشارح لفظ هذه إشارة إلى أن مسائل خبر مبتدأ محذوف وشتى صفة لمسائل .

( قوله أي متفرقة ) ومنه قوله تعالى { - إن سعيكم لشتى - } أي لمختلف في الجزاء تمامه في البحر .

( قوله سفل ) بكسر السين وضمها ضد العلو بضم العين وكسرها مع سكون اللام فيهما ط عن الحموي .

( قوله من أن يتد ) أصله يوتد حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة من باب ضرب والوتد كما في البحر عن البناية كالخازوق القطعة من الخشب أو الحديد يدق في الحائط ليعلق عليه شيء أو يربط به . وفي البحر أيضا : وأشار المصنف إلى منعه من فتح الباب ووضع الجذوع وهدم سفله وقيد بالتصرف في الجدار احترازا عن تصرفه في ساحة السفل فذكر قاضي خان لو حفر صاحب السفل في ساحته بئرا وما أشبهه له ذلك عنده ، وإن تضرر صاحب العلو وعندهما الحكم معلول بعلة الضرر ا هـ .

( قوله بفتح أو ضم ) أي مع تشديد الواو ويجمع الأول على كوات كحبة وحبات والثاني على كواء بالمد والقصر كمدية ومدى ط والكوة ثقب البيت وتستعار لمفاتيح الماء إلى المزارع والجداول بحر عن المغرب ، والمراد بها ما يفتح في حائط البيت لأجل الضوء أو ما يخرق فيه بلا نفاذ لأجل وضع متاع ونحوه . ( قوله الطاقة ) تفسير للكوة لكن في القاموس الطاق ما عطف من الأبنية ولم أر من ذكره في اللغة بالتاء تأمل .

( قوله وكذا بالعكس إلخ ) أي كما يمنع ذو السفل يمنع ذو العلو وعبارة المجمع وكل من صاحب علو وسفل ممنوع من التصرف فيه إلا بإذن الآخر وأجازه إن لم يضر به وفي العيني ، وعلى هذا الخلاف إذا أراد صاحب العلو أن يبني على العلو شيئا أو بيتا أو يضع عليه جذوعا أو يحدث كنيفا ا هـ ، وكذا جعله في الهداية على الخلاف لكن في البحر عن قسمة الولوالجية اختلف المشايخ على قوله فقيل له أن يبني ما بدا له ما لم يضر بالسفل وقيل وإن أضر والمختار للفتوى أنه إذا أشكل أنه يضر أو لا لا يملك وإذا علم أنه لا يضر يملك .

( قوله وقالا إلخ ) قال في الفتح قيل ما حكى عنهما تفسير لقول الإمام لأنه إنما يمنع ما فيه ضرر ظاهر لا ما لا ضرر فيه فلا خلاف بينهم وقيل بينهما خلاف وهو ما فيه شك فما لا شك في عدم ضرره كوضع مسمار صغير أو وسط يجوز اتفاقا وما فيه ضرر ظاهر كفتح الباب ينبغي أن يمنع اتفاقا وما يشك في التضرر به كدق الوتد في الجدار أو السقف فعندهما لا يمنع وعنده يمنع ا هـ وفي قسمة المنية أن المختار أن الخلاف فيما إذا أشكل فعنده يمنع وعندهما لا ا هـ وكذا يأتي في كلام الشارح قريبا أنه المختار للفتوى .

مطلب فيما لو انهدم المشترك وأراد أحدهما البناء وأبى الآخر .

( قوله ولو انهدم السفل إلخ ) أي بنفسه وأما لو هدمه فقد قال في الفتح : وعلمت أنه ليس لصاحب السفل هدمه فلو هدمه يجبر على بنائه ، لأنه تعدى على حق صاحب العلو وهو قرار العلو .

( قوله وتمامه في العيني ) حيث قال بخلاف الدار المشتركة إذا انهدمت فبناها أحدهما بغير إذن صاحبه حيث لا يرجع ، لأنه متبرع إذا هو ليس بمضطر لأنه يمكنه أن يقسم عرصتها ، ويبني في نصيبه وصاحب العلو ليس كذلك ، حتى لو كانت الدار صغيرة بحيث لا يمكن الانتفاع بنصيبه بعد القسمة كان له أن يرجع ، وعلى هذا إذا انهدم بعض الدار أو بعض الحمام فأصلحه أحد الشريكين له أن يرجع لأنه مضطر إذ لا يمكنه قسمة بعضه ، ولو انهدم كله فعلى التفصيل [ ص: 444 ] الذي ذكرناه ا هـ أي إن أمكنه قسمة العرصة ليبني في نصيبه لا يكون مضطرا وإلا كان مضطرا ، والحاصل أنه إذا انهدم كل الدار والحمام فإن كان يمكنه قسمة العرصة فيبني في نصيبه لا يكون مضطرا فلو عمر بدون إذن شريكه يكون متبرعا والظاهر أن المراد ما إذا أمكنه إعادة العرصة دارا أو حماما كما كانت لا مطلق البناء وإن كان لا يمكن قسمة العرصة فهو مضطر وإن انهدم بعض الحمام أو بعض الدار فهو مضطر أيضا ، والظاهر أن المراد ما إذا كانت الدار صغيرة أما إذا كانت كبيرة يمكن قسمتها ، فإنه يقسمها فإن خرج المنهدم في نصيبه بناه أو في نصيب شريكه يفعل به شريكه ما أراد .

[ تنبيه ] قال في البحر : وذكر الحلواني ضابطا فقال كل من أجبر أن يفعل مع شريكه ، فإذا فعل أحدهما بغير أمر الآخر لم يرجع لأنه متطوع إذا كان يمكنه أن يجبر مثل كري الأنهار وإصلاح السفينة المعيبة وفداء العبد الجاني وإن لم يجبر لا يكون متطوعا كمسألة انهدام العلو والسفل ا هـ ومن ذلك لو أنفق على الدابة بلا إذن شريكه لم يرجع لتمكنه من رفعه إلى القاضي ليجبر بخلاف الزرع المشترك فإنه يرجع لأنه لا يجبر شريكه كما في المحيط فكان مضطرا ا هـ وتمام ذلك فيه وذكر قبله أن صاحب العلو إن بنى السفل بأمر القاضي رجع بما أنفق وإلا فبقيمة البناء به يفتى ، والصحيح أن المعتبر في الرجوع قيمة البناء يوم البناء لا يوم الرجوع .

قلت : وقد تلخص من هذا الأصل ومما قبله أنه إن لم يضطر بأن أمكنه القسمة فعمر بلا أمر فهو متبرع وإلا فإن كان شريكه يجبر على العمل معه ككري النهر ونحوه فكذلك وإن كان شريكه لا يجبر كمسألة السفل لا يكون متبرعا بل يرجع بما أنفق إن بنى بأمر القاضي ، وإلا فبقيمة البناء يوم البناء وقد وقع في هذه المسألة اضطراب كثير وقدمنا تمام الكلام عليها آخر الشركة وكنت نظمت ذلك بقولي . وإن يعمر الشريك المشترك بدون إذن للرجوع ما ملك إن لم يكن لذاك مضطرا بأن
أمكنه قسمة ذلك السكن أما إذا اضطر لذا وكان من
أبى على التعمير يجبر فإن بإذنه أو إذن قاض يرجع
وفعله بدون ذا تبرع ثم إذا اضطر ولا جبر كما
في السفل والجدار يرجع بما أنفقه إن كان بالإذن بنى
لذا وإلا فبقيمة البنا .

ثم اعلم أن صاحب العلو إذا بنى السفل ، فله أن يمنع صاحب السفل من السكنى حتى يدفع إليه لكونه مضطرا وكذا حائط بين اثنين لهما عليه خشب فبنى أحدهما فله منع الآخر من وضع الخشب حتى يعطيه نصف قيمة البناء مبنيا كما في البحر وفيه عن جامع الفصولين لكل من صاحب السفل والعلو حق في ملك الآخر لذي العلو حق قراره ولذي السفل حق دفع المطر والشمس عن السفل ا هـ ثم نقل عنه أيضا لو هدم ذو السفل سفله وذو العلو علوه أخذ ذو السفل ببناء سفله إذ فوت عليه حقا ألحق بالملك فيضمن كما لو فوت عليه ملكا ا هـ قال في البحر وظاهره أنه لا جبر على ذي العلو وظاهر الفتح خلافه وهو محمول على ما إذا بنى ذو السفل سفله وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنه يجبر ا هـ أي لأن فرض المسألة أنه هدم علوه فيجبر على بنائه بعدما بنى ذو السفل سفله لا قبله وإنما أجبر لأن لذي السفل حقا في العلو كما علمت وأما لو انهدم العلو بلا صنعه فلا يجبر لعدم تعديه كما ذكره الشارح فيما لو انهدم السفل وفي البحر عن الذخيرة سقف السفل وجذوعه وهراديه وبواريه وطينه لذي السفل قال : ذكر الطرسوسي أن الهرادي ما يوضع فوق السقف من قصب أو عريش ا هـ . [ ص: 445 ] قلت : لكن في المغرب عن الليث الهردية قضبان تضم ملوية بطاقات من الكرم يرسل عليها قضبان الكرم ا هـ فهي التي تسمى في عرفنا سقالة هذا وذكر في الخيرية أن تطيين سقف السفل لا يجب على واحد منهما ، أما ذو العلو فلعدم وجوب إصلاح ملك الغير عليه وإن تلف الطين بالسكن المأذون فيه شرعا إلا إذا تعدى بإزالته فيضمنه ، وأما ذو السفل فلعدم إجباره على إصلاح ملكه فإن شاء طينه ورفع ضرره وكف الماء عنه وإن شاء تحمل ضرره .

[ تتمة ] في البحر عن جامع الفصولين جدار بينهما ، ولكل منهما حمولة فوهى الحائط فأراد أحدهما رفعه ليصلحه وأبى الآخر ، ينبغي أن يقول مريد الإصلاح للآخر ارفع حمولتك بأسطوانات وعمد ويعلمه أنه يريد رفعه في وقت كذا وأشهد على ذلك ، فلو فعله وإلا فله رفع الجدار فلو سقطت حمولته لم يضمن ا هـ . قلت : والظاهر أن مثله ما إذا احتاج السفل إلى العمارة فتعليق العلو على صاحبه وهذه فائدة حسنة لم أجد من نبه عليها .




الخدمات العلمية