الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 153 ] 562 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي كان من الأعرابي إليه في جره رداءه على رقبته حتى حمرها ، ومن طلبه منه القود في ذلك

3529 - حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، قال : حدثنا محمد بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، حتى إذا قام قمنا ، فقام يوما ، وقمنا معه ، حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه الأعرابي فجبذ بردائه من ورائه ، وكان رداؤه خشنا ، فحمر رقبته ، فقال : يا محمد احمل لي على بعيري هذين ، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي . فقال الأعرابي : والله لا أقيدك . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يقول : والله لا أقيدك ، فلما سمعنا قول الأعرابي ، أقبلنا إليه سراعا ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم : احمل له على بعير شعيرا ، وعلى بعير تمرا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا .

[ ص: 154 ] قال أبو جعفر : فقال قائل : من أين وسعكم القود في مثل ما ذكر في هذا الحديث ، حتى خالفتموه جميعا لا إلى حديث مثله .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أنه قد يحتمل أن يكون القود الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الأعرابي لم يكن على ما توهمه من القصاص ، ولكنه كان على أن يعود متواضعا بالبذل له من نفسه مثل الذي فعله حتى يكون بذلك على مثل ما يكون عليه أهل الإسلام في التواضع عند مثل هذا ، كما كان من تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عمر الذي ذكرنا ، ثم من تواضع أبي بكر رضي الله عنه الذي روينا في الباب الذي قبل هذا الباب ، ويكون ذكره القود على الاستعارة ، كما تستعير العرب الكلمة للمعنى الذي فيها مما استعاروها منه ، من ذلك قولهم : هراق فلان مهجة فلان ، ليس لأن المهجة مهراقة ، وإنما المهراق الدم ، وذلك كثير في كلام العرب ، حتى تعالى ذلك إلى مجيء القرآن به ، وهو ما وصف الله عز وجل في قصة موسى وصاحبه صلوات الله عليهما من قوله : فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه . فذكره بالإرادة ، والجدار لا إرادة [ ص: 155 ] له ، ولكنه كان منه ما يكون من ذوي الإرادة عند إرادتهم إلقاء أنفسهم إلى الأرض ، فمثل ذلك ما أراد من الأعرابي أن يبذل له من نفسه مثل الذي يبذل بالقود ، وفيما ذكرنا ما قد دل على أن لا حجة لهذا المتأول علينا فيما احتج به علينا من تأويله هذا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية