الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الإحصار" الذي جعل الله على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي .

فقال بعضهم : هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام .

ذكر من قال ذلك :

3227 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنه كان يقول : "الحصر" الحبس كله . يقول : أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس . قال : وقال مجاهد في قوله : " فإن أحصرتم " فإن أحصرتم : يمرض إنسان أو يكسر ، أو يحبسه أمر فغلبه كائنا ما كان ، فليرسل بما استيسر من الهدي ، ولا يحلق رأسه ، ولا يحل ، حتى يوم النحر . [ ص: 22 ]

3228 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3229 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الإحصار كل شيء يحبسه .

3230 - وحدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن سعيد ، عن قتادة أنه قال : في المحصر : هو الخوف والمرض والحابس . إذا أصابه ذلك بعث بهديه ، فإذا بلغ الهدي محله حل .

3231 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " قال : هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه عن البيت يبعث بهديه ، فإذا بلغ محله صار حلالا .

3232 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار .

3233 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إبراهيم قال أبو جعفر : أحسبه عن شريك ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن إبراهيم : " فإن أحصرتم " قال : مرض أو كسر أو خوف .

3234 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " ، يقول : من أحرم بحج أو بعمرة ، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه ، فعليه قضاؤها .

قال أبو جعفر : وعلة من قال بهذه المقالة : أن " الإحصار" معناه في كلام العرب : منع العلة من المرض وأشباهه ، غير القهر والغلبة من قاهر أو غالب ، إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو جراحة ، أو ذهاب نفقة ، أو كسر راحلة . فأما [ ص: 23 ] منع العدو ، وحبس حابس في سجن ، وغلبة غالب حائل بين المحرم والوصول إلى البيت من سلطان ، أو إنسان قاهر مانع ، فإن ذلك إنما تسميه العرب " حصرا" لا" إحصارا" .

قالوا : ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه : ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) [ الإسراء : 8 ] يعني به : حاصرا ، أي حابسا .

قالوا : ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا ، يسمى" إحصارا" لوجب أن يقال : " قد أحصر العدو" .

قالوا : وفي اجتماع لغات العرب على" حوصر العدو ، والعدو محاصر" ، دون" أحصر العدو ، وهم محصرون" ، و" أحصر الرجل" بالعلة من المرض والخوف - أكبر الدلالة على أن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله : " فإن أحصرتم " بمرض أو خوف أو علة مانعة .

قالوا : وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى" حصر المرض" قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت ، لا بدلالة ظاهر قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" إذ كان حبس العدو والسلطان والقاهر علة مانعة ، نظيرة العلة المانعة من المرض والكسر .

وقال آخرون : معنى قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " فإن حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت ، أو حابس قاهر من بني آدم . قالوا : فأما العلل العارضة في الأبدان كالمرض والجراح وما أشبهها ، فإن ذلك غير داخل في قوله : " فإن أحصرتم " .

ذكر من قال ذلك :

3235 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء ، عن ابن عباس أنه قال : " الحصر" : [ ص: 24 ] حصر العدو ، فيبعث الرجل بهديته ، فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو ، فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة ، فإنه يبعث بها ويحرم قال محمد بن عمرو ، قال أبو عاصم : لا ندري قال : يحرم ، أو يحل من يوم يواعد فيه صاحب الهدي إذا اشترى . فإذا أمن فعليه أن يحج أو يعتمر . فإذا أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي ، فإنه يحل حيث يحبس ، فإن كان معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بعث به ، فليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر إلا أن يشاء .

3236 - حدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لا حصر إلا من حبس عدو .

3237 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء ، عن ابن عباس مثل حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم إلا أنه قال : فإنه يبعث بها ويحرم من يوم واعد فيه صاحب الهدية إذا اشترى . ثم ذكر سائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم .

وقال مالك بن أنس : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل وأصحابه بالحديبية ، فنحروا الهدي ، وحلقوا رؤوسهم ، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت ، وقبل أن يصل إليه الهدي . ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ، ولا ممن كان معه ، أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء . [ ص: 25 ]

3238 - حدثني بذلك يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب عنه قال : وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت؟ فقال : يحل من كل شيء ، وينحر هديه ، ويحلق رأسه حيث يحبس ، وليس عليه قضاء ، إلا أن يكون لم يحج قط ، فعليه أن يحج حجة الإسلام .

قال : والأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو بمرض أو ما أشبهه ، أن يتداوى بما لا بد منه ، ويفتدي ، ثم يجعلها عمرة ، ويحج عاما قابلا ويهدي .

قال أبو جعفر : وعلة من قال هذه المقالة - أعني : من قال قول مالك - أن هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، فأمر الله نبيه ومن معه بنحر هداياهم والإحلال .

قالوا : فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو ، فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه .

قالوا : وأما المريض ، فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة ، فإنما هو رجل فاته الحج ، عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج - وليس من معنى" المحصر" الذي نزلت هذه الآية في شأنه .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في قوله : " فإن أحصرتم " ، تأويل من تأوله بمعنى : فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت أي : صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم ، فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة . فلذا قيل : " أحصرتم " ، لما أسقط ذكر الخوف والمرض . يقال منه : " أحصرني خوفي من فلان عن لقائك ، [ ص: 26 ] ومرضي عن فلان" ، يراد به : جعلني أحبس نفسي عن ذلك . فأما إذا كان الحابس الرجل والإنسان ، قيل : " حصرني فلان عن لقائك" بمعنى حبسني عنه .

فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله : " فإن أحصرتم " فإن حبسكم حابس من العدو عن الوصول إلى البيت - لوجب أن يكون : فإن حصرتم .

ومما يبين صحة ما قلناه من أن تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدو وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو ، قوله : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " .

و" الأمن" إنما يكون بزوال الخوف . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الآية ، هو الخوف الذي يكون بزواله الأمن .

وإذ كان ذلك كذلك ، لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتلو ، وإن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه ، كالسلطان غير المخوفة عقوبته ، والوالد ، وزوج المرأة ، إن كان منهم أو من بعضهم حبس ، ومنع عن الشخوص لعمل الحج ، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرام ، غير داخل في ظاهر قوله : " فإن أحصرتم" ، لما وصفنا من أن معناه : فإن أحصركم خوف عدو - بدلالة قوله : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال : الحصر : حصر العدو .

وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا ، وكان ذلك منعا من الوصول إلى البيت ، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت ، فهو له نظير في الحكم .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله : " فما استيسر من الهدي " . [ ص: 27 ]

فقال بعضهم : هو شاة .

ذكر من قال ذلك :

3239 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد ، قال : أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : " ما استيسر من الهدي" شاة .

3240 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وحدثنا عبد الحميد ، قال : أخبرنا إسحاق قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " فما استيسر من الهدي " ، شاة .

3241 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد عن ابن عباس ، مثله .

3242 - حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن مالك ، قال : تمتعت فسألت ابن عباس فقال : " ما استيسر من الهدي" قال : قلت : شاة؟ قال : شاة .

3243 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن مالك ، قال : سألت ابن عباس عن" ما استيسر من الهدي" ، قال : من الأزواج الثمانية : من الإبل والبقر والمعز والضأن .

3244 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا هشيم ، قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله جل ثناؤه : " فما استيسر من الهدي " - قال : كان ابن عباس يقول : من الغنم .

3245 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " ما استيسر من الهدي" ، من الأزواج الثمانية . [ ص: 28 ]

3246 - حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد ، قال : قيل للأشعث : ما قول الحسن : " فما استيسر من الهدي" ؟ قال : شاة .

3247 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة . ( فما استيسر من الهدي ) قال : أعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة .

3248 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله إلا أنه كان يقال : أعلاه بدنة ، وذكر سائر الحديث مثله .

3249 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن زرارة ، عن ابن عباس ، قال : " فما استيسر من الهدي " ، شاة .

3250 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس ، مثله .

3251 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " فما استيسر من الهدي" شاة .

3252 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا محمد بن نفيع ، عن عطاء ، مثله .

3253 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : المحصر يبعث بهدي ، شاة فما فوقها .

3254 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر ، بعث بما استيسر من الهدي : شاة . قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : كذلك قال ابن عباس .

3255 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية [ ص: 29 ] بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ما استيسر من الهدي" ، شاة فما فوقها .

3256 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني عن شعبة قال : حدثنا أبو جمرة ، عن ابن عباس ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، جزور أو بقرة أو شاة ، أو شرك في دم .

3257 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن ابن عباس كان يرى أن الشاة" ما استيسر من الهدي" .

3258 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3259 - حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3260 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سهل بن يوسف قال : حدثنا حميد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال ابن عباس : الهدي : شاة ، فقيل له : أيكون دون بقرة؟ قال : فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تدرون به أن الهدي شاة . ما في الظبي؟ قالوا : شاة ، قال : ( هديا بالغ الكعبة ) [ المائدة : 95 ] .

3261 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال : شاة .

3262 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن دلهم بن صالح ، قال : سألت أبا جعفر ، عن قوله : " ما استيسر من الهدي" ، فقال : شاة .

3263 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالك [ ص: 30 ] بن أنس حدثه عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن علي بن أبي طالب كان يقول : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3264 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا مطرف بن عبد الله ، قال : حدثنا مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ، مثله .

3265 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3266 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال مالك : وذلك أحب إلي .

3267 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : " فما استيسر من الهدي " ، قال : عليه - يعني المحصر - هدي . إن كان موسرا فمن الإبل ، وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم .

3268 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، شاة ، وما عظمت شعائر الله ، فهو أفضل .

3269 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : أخبرنا ابن لهيعة : أن عطاء بن أبي رباح حدثه : أن" ما استيسر من الهدي" ، شاة .

وقال آخرون : " ما استيسر من الهدي" : من الإبل والبقر ، سن دون سن .

ذكر من قال ذلك :

3270 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، قال : سمعت [ ص: 31 ] عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " ما استيسر من الهدي" : البقرة دون البقرة ، والبعير دون البعير .

3271 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي مجلز ، قال : سأل رجل ابن عمر : " ما استيسر من الهدي" ؟ قال : أترضى شاة؟ كأنه لا يرضاه .

3272 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن القاسم بن محمد ونافع ، عن ابن عمر قال : " ما استيسر من الهدي" ، ناقة أو بقرة ، فقيل له : " ما استيسر من الهدي"؟ قال : الناقة دون الناقة ، والبقرة دون البقرة .

3273 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر أنه قال : " فما استيسر من الهدي " ، قال : جزور ، أو بقرة .

3274 - حدثنا أبو كريب ويعقوب ، قالا حدثنا هشيم ، قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله : " فما استيسر من الهدي " - قال : قال ابن عمر : من الإبل والبقر .

3275 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه : " فما استيسر من الهدي " قال : الناقة دون الناقة ، والبقرة دون البقرة .

3276 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن القاسم ، عن ابن عمر في قوله : " فما استيسر من الهدي " ، قال : الإبل والبقر .

3277 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان : " ما استيسر من الهدي" : من الإبل والبقر . [ ص: 32 ]

3278 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا الوليد بن أبي هشام ، عن زياد بن جبير ، عن أخيه عبد الله أو عبيد الله بن جبير ، قال : سألت ابن عمر عن المتعة في الهدي؟ فقال : ناقة ، قلت : ما تقول في الشاة؟ قال : أكلكم شاة؟ أكلكم شاة؟

3279 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد وطاوس قالا" ما استيسر من الهدي" ، بقرة .

3280 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة : " فما استيسر من الهدي " ، قال في قول ابن عمر : بقرة فما فوقها .

3281 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني أبو معشر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، قال : بدنة أو بقرة ، فأما شاة فإنما هي نسك .

3282 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : البدنة دون البدنة ، والبقرة دون البقرة ، وإنما الشاة نسك ، قال : تكون البقرة بأربعين وبخمسين .

3283 - حدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني أسامة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، كان يقول : " ما استيسر من الهدي" ، بقرة .

3284 - وحدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني أسامة بن زيد أن سعيدا حدثه ، قال : رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه فيسألونه عن" ما استيسر من الهدي" [ ص: 33 ] ويقولون : الشاة ! الشاة ! قال : فيرد عليهم : " الشاة ! الشاة ! يحضهم - إلا أن الجزور دون الجزور ، والبقرة دون البقرة ، ولكن ما" استيسر من الهدي" بقرة .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب قول من قال : " ما استيسر من الهدي" شاة . لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من الهدي ، وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه كائنا ما كان ذلك الذي يهدي . إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا ، فيكون ما خص من ذلك خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل ، ويكون سائر الأشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي بعد أن يستحق اسم" هدي" .

فإن قال قائل : فإن الذين أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من الهدي ، بأنه لا يستحق اسم" هدي" كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة لم يكن مهديا هديا مجزئا .

قيل : لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف ، نحو الذي في المهدي الشاة ، لكان سبيلهما واحدة : في أن كل واحد منهما قد أدى ما عليه بظاهر التنزيل إذا لم يكن أحد الهديين مخرجه من أن يكون مؤديا - بإهدائه ما أهدى من ذلك - مما أوجبه الله عليه في إحصاره . ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن ، والثني من المعز والإبل والبقر فصاعدا من الأسنان - من أن يكون مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته - بالحجة القاطعة العذر ، نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة ، كان ذلك خارجا من أن يكون مرادا بقوله : " فما استيسر من الهدي" وإن كان مما استيسر لنا من الهدايا . [ ص: 34 ]

ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من المعز ، كان مجزئا ذلك عن مهديه لظاهر التنزيل ، لأنه مما استيسر من الهدي .

فإن قال قائل : فما محل" ما" التي في قوله جل وعز : " فما استيسر من الهدي"؟ قيل : رفع .

فإن قال : بماذا؟

قيل : بمتروك . وذلك" فعليه" لأن تأويل الكلام : وأتموا الحج والعمرة أيها المؤمنون لله ، فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من مرض أو كسر أو خوف عدو فعليكم - لإحلالكم ، إن أردتم الإحلال من إحرامكم - ما استيسر من الهدي .

وإنما اخترنا الرفع في ذلك ؛ لأن أكثر القرآن جاء برفع نظائره ، وذلك كقوله : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام ) وكقوله : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) وما أشبه ذلك مما يطول بإحصائه الكتاب ، تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه .

ولو قيل موضع" ما" نصب ، بمعنى : فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدي ، لكان غير مخطئ قائله .

وأما" الهدي" ، فإنه جمع ، واحدها"هدية" ، على تقدير" جدية السرج" والجمع" الجدي" مخفف .

3285 - حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، عن يونس ، قال : كان أبو عمرو بن العلاء يقول : لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه . [ ص: 35 ]

وبتخفيف" الياء" وتسكين" الدال" من" الهدي" قرأه القرأة في كل مصر ، إلا ما ذكر عن الأعرج ، فإن : -

3286 - أبا هشام الرفاعي ، حدثنا ، قال : حدثنا يعقوب ، عن بشار ، عن أسد ، عن الأعرج أنه قرأ : ( هديا بالغ الكعبة ) [ سورة المائدة : 95 ] بكسر" الدال" مثقلا وقرأ : "حتى يبلغ الهدي محله" ، بكسر" الدال" مثقلة . واختلف في ذلك عن عاصم ، فروي عنه موافقة الأعرج ومخالفته إلى قراءة سائر القرأة .

و" الهدي" عندي إنما سمي" هديا" لأنه تقرب به إلى الله جل وعز مهديه ، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه ، يقال منه : " أهديت الهدي إلى بيت الله ، فأنا أهديه إهداء" . كما يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره : " أهديت إلى فلان هدية وأنا أهديها . " ، ويقال للبدنة" هدية" ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى ، يذكر رجلا أسر ، يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى :


فلم أر معشرا أسروا هديا ولم أر جار بيت يستباء

!

التالي السابق


الخدمات العلمية