الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب إجارة المتاع . ( قال : رحمه الله وإذا استأجر ثوبا ليلبسه يوما إلى الليل بأجر مسمى فهو جائز لأنه عين منتفع به بطريق مباح وليس له أن يلبسه غيره ) ; لأن المعقود عليه لبسه بنفسه وهذا ; لأن التعيين متى أفاد اعتبر وهذا تعيين مفيد ; لأن الناس يتفاوتون في لبس الثياب فلبس الدباغ والقصار لا يكون كلبس العطار بخلاف سكنى الدار فالناس لا يتفاوتون في ذلك فإن أعطاه غيره فلبسه ذلك اليوم ضمنه إن أصابه شيء ; لأنه غاصب في إلباسه غيره ، وإن لم يصبه شيء فلا أجر له لأن المعقود عليه ما يصير مستوفى بلبسه فما يكون مستوفى بلبس غيره ولا يكون معقودا عليه واستيفاء غير المعقود عليه لا يوجب البدل .

( ألا ترى ) أنه لو استأجر ثوبا بعينه ، ثم غصب منه ثوبا آخر ولبسه لم يلزمه الأجر ، فكذلك إذا ألبس ذلك الثوب غيره ; لأن تعيين اللابس كتعيين الملبوس .

( فإن قيل ) هو قد يتمكن من استيفاء المعقود عليه وذلك يكفي لوجوب الأجر عليه كما لو وضعه في بيته ولم يلبسه .

( قلنا ) تمكنه من الاستيفاء باعتبار يده وإذا وضعه في بيته فيده عليه معتبرة ولذا لو هلك لم يضمن ، فأما إذا ألبسه غيره فيده عليه معتبرة حكما .

( ألا ترى ) أنه ضامن ، وإن هلك من غير اللبس وإن يد اللابس عليه يد معتبرة حتى يكون لصاحبه أن يضمن غير اللابس ولا يكون إلا بطريق تفويت يده حكما ; فلهذا لا يلزمه الأجر ، وإن سلم ، وإن استأجره ليلبس يوما إلى الليل ولم يسم من يلبسه فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه فإن اللبس يختلف باختلاف اللابس وباختلاف الملبوس فكما أن ترك التعيين في الملبوس عند العقد يفسد العقد ، فكذلك ترك تعيين اللابس .

( وهذه جهالة ) تفضي إلى المنازعة لأن صاحب [ ص: 166 ] الثوب يطالبه بإلباس أرفق الناس في اللبس وصيانة الملبوس وهو يأبى أن يلبس إلا أخشن الناس في ذلك ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ولا تصح التسمية مع فساد العقد ، وإن اختصما فيه قبل اللبس فسدت الإجارة ، وإن لبسه هو وأعطاه غيره فلبسه إلى الليل فهو جائز وعليه الأجر استحسانا وفي القياس عليه أجر المثل وكذلك لو استأجر دابة للركوب ولم يبين من يركبها أو للعمل ولم يسم ما يعمل عليها فعمل عليها إلى الليل فعليه المسمى استحسانا وفي القياس عليه أجر المثل ; لأنه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد ووجوب المسمى باعتبار صحة التسمية ولا تصح التسمية مع فساد العقد وجه الاستحسان أن المفسد وهو الجهالة التي تفضي إلى المنازعة قد زال وبانعدام العلة المفسدة ينعدم الفساد وهذا ; لأن الجهالة في المعقود عليه وعقد الإجارة في حق المعقود عليه كالمضاف فإنما يتجدد انعقادها عند الاستيفاء ولا جهالة عند ذلك ووجوب الأجر عند ذلك أيضا فلهذا أوجبنا المسمى وجعلنا التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء ، ولا ضمان عليه إن ضاع منه ; لأنه غير مخالف سواء لبس بنفسه أو ألبس غيره بخلاف الأول فقد عين هناك لبسه عند العقد فيصير مخالفا بإلباس غيره

التالي السابق


الخدمات العلمية